الهطولُ
الهطولُ: هو سقوطُ الماءِ منَ الغيومِ على شكلِ مطرٍ أو رذاذٍ أو ثلج أو بردِ أو جليدٍ متميعٍ قالَ تعالى:" وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)"
ولكنْ هل يحدثُ الهطولُ من كلَّ الغيوم؟ ولماذا يختلفُ من منطقةٍ إلى أخرى؟ وما الفرق بين أشكالِ الهطولِ؟
كيفَ يحدثُ الهطولُ
عندما يحدثُ التكاثفُ حولَ النوى في الغيومِ، تكونُ القطراتُ الناتجةُ صغيرةً جداً، وتبدأ بالسقوطِ نحوَ الأرضِ بتأثيرِ الجاذبيةِ، لكنَّ مقاومةَ الهواءِ لها تخففُ من سرعتِها، وتجعلُها لا تتجاوزُ حداً معيناً يُسمّى السرعةَ الحدية، ونظراً لأنَّ معظم الغيومِ تتكونُ بفعلِ حركةِ الهواءِ، إلى أعلى، فإنّ الهواء الصاعدَ يحملُ هذه القطراتِ مَعهُ إلى أعلى ويحولُ دونَ سقوطِها، ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ تلك القطراتٍ تحتك بالهواءِ في أثناءِ هبوطِها فترتفعُ درجةُ حرارتها، ويزدادُ معدلُ التبخر منها، فيتناقصُ حجمهُا تدريجياً، وقد تتلاشى القطرة.
يتعرضُ الجسمُ الساقطُ سقوطاً حراً نحوَ الأرضٍ إلى عدةِ قُوى، منها قوةُ جذب الأرض للجسم، أي وزنُه، وقوةُ مقاومةِ الهواءِ لحركة هذا الجسمِ ، وتعتمدُ مقاومةُ الهواءِ على عواملَ عدةٍ هي:-
- الشكلُ الهندسيَُ للجسمِ.
- حجمُ الجسمِ.
- سرعةُ الجسمِ.
يمكنُنا إهمالُ الشكل الهندسيَّ لأنَّ القطراتِ ذاتُ شكلِ كرويَّ عادةً، لذا فإنّ مقاومةَ الهواءِ لها تعتمدُ على عاملين فقط هما: حجمُ القطرةِ وسرعةُ سقوطها، وتزدادُ مقاومةُ الهواء للقطرةِ، كلما زاد حجمها وزادت سرعتُها، لذلك فإنّ القطرةَ الساقطة تحتَ تأثيرِ قوة الجاذبيةِ بسرعةٍ متزايدةٍ باستمرار، ستواجهُ مقاومةً متزايدةً باستمرار، وستصلُ إلى وضع تتساوى فيه قوةُ جذبِ الأرض للقطرةِ (الوزن) مع قوةِ مقاومةِ الهواء لها، وعندها تسقط القطرةِ بسرعة ثابتةٍ وتسمى هذه السرعةُ السرعة الحدّيةَ.
يرتبطُ وزنُ القطرةِ عادةً بحجمِها، الذي يزداد بازديادِ نصفِ قطرِها، وحتى نحصلَ على احتمالٍ جيد للهطول يجبُ أنْ تتوفر قطراتٌ يتجاوزُ نصفُ قطرِ الواحدةِ منها 0.1 مم. إلا أنّ الثابتّ عملياً، أنَّ معظم قطراتِ الماءِ في الغيومِ أصغرُ من ذلك بكثيرٍ.
ولعلَّ ذلك يعودُ إلى ارتفاعِ عددِ نوى التكاثفِ الصغيرةِ الحجمِ، مما يؤدي إلى تكوينِ قطراتِ ماءٍ صغيرةِ الحجم بأعدادٍ كبيرةٍ تصلُ إلى (100) قطرةٍ في كل 1سم3. فكيف يُمكن أنْ تنموَ القطراتُ الصغيرةُ، بحيثُ يصبحُ نصفُ قطرها مساوياً 0.1 مم. ومتى يحدثُ ذلك؟
يفسر العلماءُ نموَّ القطراتِ في الغيوم الدافئةِ بطريقةٍ مختلفةٍ عن نموَّها في الغيوم الباردةِ. ففي الغيوم الباردةِ توجدُ بلوراتٌ جليديةٌ جنبا إلى جنب مع قطراتِ ماءٍ صغيرةٍ وباردةٍ جداً.
وإذا حـدث أنْ تبخرَ بعضُ الماءِ، من سطح تلك القطراتِ، فإنَّ البخارَ سيكونُ في درجةِ حرارةٍ متدنيةٍ، ويمكنُ أنْ يتجمدَ ويترسبَ بسهولةِ على بلـوراتِ الجليد بصورةٍ صلبةِِ، دونَ المرورِ في الحالةِ السائلةِ. والتجمدُ كما هو معروفٌ ، يؤدّي إلى انطلاقِ الحرارةِ الكامنةِ، فتمتصُّها بعضُ القطراتِ القريبةِ، مما يؤدّي إلى ارتـفاع درجة حـرارتها، وزيادةِ التبخر من سطوحها، ويعقُبُ ذلك انتـقالُ البخار ليتجمد على بلورات الجليد. وهكذا تنمو بلوراتُ الجليد داخل السحبِ، بينما يتناقصُ عددُ القطراتِ، وعندما تبلغُ البـلوراتُ حجماً معيناً تسقطُ نحو سطحِ الأرض، لكنّها لا تسقطُ بالضرورةِ عليها وهي في حـالةِ الصلابة، إنما قد تنصهرُ في أثناءِ سقوطها وتـصلُها مطراً
أما الغيومُ الدافئةُ نسبياً، والتي لا تحتوي على بلوراتٍ جليديةٍ، فمعظمُ العلماءِ يميلونَ إلى الاعتقادِ أنَّ سببَ نموّ القطراتِ فيها يعود فقط إلى ازديادِ حجمها نتيجةَ التحامهاِ معاً عند تصادُمِها، ويشترطُ وجود قطراتٍ مختلفةِ الحجمِ داخل السحابةِ نفسها لإنتاجِ قطراتٍ كبيرةٍ، قادرةٍ على أن تسقطَ مطراً . وتلعبُ تياراتُ الصعود والهبوط داخل السحابةِ دوراً كبيراً في إتاحةِ الفرصةِ للتصادمِ والالتحامِ، وبالتالي لنموِ القطراتِ الكبيرة على حسابِ القـطرات الصغيرة
طرقُ حدوثِ الهطولِ
إنّ التمييزَ بين الطرق التي يتمُّ بها الهطولُ، يعتمدُ على طريقةِ صعود الهواءِ إلى أعلى، ويتمُّ الهطـولُ عادةً بثلاثِ طـرقٍ هي :
1.هطولُ الحملِ
ويحدثُ نتيجةً لصعودِ الهواءِ الدافئ الرطبِ رأسياً إلى أعلى (تيارات الحمل)، فتتكونُ غيومٌ من النوعِ الركامي. وسبب هذا الهطولِ هو الارتفاعُ الرأسيُّ السريعُ للهواءِ، حيثُ تنخفضُ درجةُ حرارتِه، ويبدأ بخارُ الماءِ الموجودُ فيه بالتكاثفِ، ويكونُ الهطولُ هنا غزيراً أكثرَ من الطرقِ الأخرى، لكنّه لا يدومُ لوقتٍ طويلٍ
2.هطولُ التضاريس
يحدثُ بسببِ اعتراضِ الجبالِ طريقَ الرياحِ الرطبةِ، فتجبرُها على الصعودِ والتكاثفِ، ومن ثم الهطولِ، ففي بدايةِ الصعودِ، تنخفضُ درجةُ الحرارةِ ببطءٍ حتى تصل إلى درجةِ الندى، بعدها يبدأ التكاثُفُ وتتكونُ سحبٌ طبقية، ولكنْ مع استمرارِ الصعود والتكاثفِ تتكون سحبٌ طبقيةٌ ركاميةٌ.
3. هطولُ الجبهاتِ الهوائيةِ
1. تقسمُ الجبهاتُ الهوائية إلى ثلاثةِ أقسامٍ هي:
1.الجبهة الهوائية الدافئة:
وتتكونُ عند التقاءِ كتلةٍ هوائيةٍ دافئةٍ مع كتلةٍ هوائيةٍ باردة فتصعدُ الدافئةُ فوق الباردةٍ ، مما يؤدي إلى هبوطِ درجةِ حرارتها حتى تصل إلى درجة الندى، وباستمرارِ الانخفاض يحدثُ التكاثفُ، ثم الهطولُ، وفي هذه الحالةِ يكونُ الهطولُ معتدلَ الغزارة لكنهّ يدومُ مدةً طويلةً، ويعمُّ مساحاتٍ واسعةً ، ويجبُ أنّ نلاحظ هنا أنَّ الكتلةَ الهوائيةَ الدافئةَ هي التي تتقدمُ نحو الكتلةِ الهوائيةِ الباردةِ، بينما تكونُ الكتلةُ الهوائيةُ الباردةُ إما ساكنةً، أو متحركةً بسرعةٍ قليلةِ نسبياً. وهذا يعني انَّ الكتلة الفاعلةَ هي الدافئةُ.
2.الجبهةُ الهوائيةُ الباردةُ :
وهي مشابهةٌ للجبهةِ السابقةِ، إلا أنّ الكتلةَ الفاعلة هنا هي الباردةُ، بمعنى أنها هي التي تتقدمُ بسرعةٍ نحوَ الدافئةِ، بينما تكونُ الدافئةُ ساكنةً، أو قليةَ السرعةِ نسبياً وعند التقاء الكتلتين ترفعُ الكتلةُ الباردةُ الدافئةَ فوقها، مسببةً تكاثفاً كبيراً، ينتجُ عنه غيومٌ ركاميةٌ، ويتميزُ هطولها بالغزارة لكنه لا يدومُ طريلاً ،
3. الجبهةُ الهوائيةُ المقفلةُ
وتنتجُ عندما تنحصرُ كتلةٌُ هوائيةٌ دافئةٌ بين كتلتين هوائيتين، إحداهما باردةٌ ومستقرةٌ نسبياً، والأخرى باردةٌ جداً ونشطةٌ ، وفي هذه الحالةِ ترتفعُ الكتلةُ الهوائية الدافئةُ بسرعةٍ إلى ارتفاعٍ عالٍ فيحصلُ تكاثفٌ سريعٌ، وبكميةٍ وافرةٍ، يؤدي إلى تكوين كمياتٍ كبيرةٍ من الغيوم، غالباً ما تكونُ من النوع الركامي، مماّ يولدُ حالة من عدمِ الاستقرارِ في الجوَّ، فتسقطُ كمياتٌ وافرة من المطرِ والبردِ وربّما الثلجِ لمدةٍ طويلةٍ نسبياً، وقد يحدثُ الكثيرُ من العواصفِ الرعديةِ ،
أشكال الهطول :
يحدثُ الهطولُ بعدةِ أشكالٍ هي:
1- المطرُ
هو سقوطُ قطراتِ الماءِ من الغيوم نحو الأرضَ عندما تكونُ درجاتُ الحرارةِ أعلى من درجةِ صفر°س، ويتراوحُ قطرُ تلك القطراتِ عادةً من 1-4 مم. أما إذا كانت أصغرَ من ذلك فإنها تُسمى رذاذاً، وإذا كانت أكبرَ (من 1-4 مم) فإنها تُسمى وابلاً. ولكي يسقط المطرُ، لا بُدَّ أنْ يكون الهواء الموجودُ بين الغيوم والأرضَ رطباً وبارداً وخالياً من تياراتِ الحملِ النشطةِ.
2. الثلج
إذا انخفضتْ درجةُ حرارةِ الهواءِ إلى صفر ْس أو دونَها، يتكاثفُ بخارُ الماءِ الزائدُ عن الإشباع مباشرةً على النوى المتوفرةِ، مكوناً بلوراتٍ من الثلجِ، وتتصادمُ هذه البلوراتُ وتتحدُ معاً مكونةً بلوراتٍ أكبرَ حجماً، لا تلبثُ أنْ تتساقطَ نحو الأرض على شكلِ ثلجٍ. والثلجُ مادةٌ صلبـةٌ ذاتٌ بلـوراتٍ سداسيةٍ، أشكالهُـا جميلة جـداً إذا نظر إليـها من خلالِ المجهرِ
3. البرد
يتكونُ البردُ في السحبِ الركاميةِ ذات النموَّ الرأسيَّ الكبير، ففي هذه السحبِ تكون تياراتُ الحمل نشطةً جداً، وتستطيعُ أنْ تحمل معها قطراتِ الماء إلى ارتفاعاتٍ شاهقةٍ تصلُ درجةُ الحرارةِ عندها إلى ما دون –30°س، فتتحول قطراتُ المـاءِ إلى جليدٍ ثــم تتجمـعُ حولهــا قشورٌ من الثلج والجليدِ بشكلٍ متناوبٍ، وقد يتكاثفُ عليها بعضٌ من قطراتِ الماءِ كجليدٍ، فتتكونُ حبةُ البَردِ، وتنمو غلافاً فوق غلاف تشبهُ في ذلك رأسَ البصلِ، وينتج عن ذلك أجسامٌ كرويةُ الشكل تسقط نحو الأرضٍ بسرعةٍ كبيرةٍ على شكلِ بردٍ.