تأثير بركان أيسلندا على مناخ الشرق الأوسط
الدستور - عماد مجاهد
تضاربت الأنباء في الفترة الأخيرة حول مدى تأثير بركان أيسلندا الأخير على مناخ الدول الأوروبية بشكل خاص وعلى مناخ الكرة الأرضية بشكل عام ، حيث تناقلت وسائل الإعلام أخبارا على لسان احد خبراء الطقس بالقول "إن ثوران بركان أيسلندا لن تكون له تأثيرات على مناخ أوروبا" ، في الوقت ذاته انتشرت أخبار دولية أيضا تقول بأن صيف أوروبا هذا العام سيكون حارا نتيجة الغازات التي نفثها البركان المذكور.
حقيقة الأمر انه من خلال الدراسات والأبحاث التي أجريت منذ عقود طويلة من الزمن تبين وتأكد مما لا يدعو للشك بأن الغازات والمواد الصلبة التي تطلقها البراكين مثل ثاني أكسيد الكربون (غازات الدفيئة) والمواد الصلبة مثل السليكا وبعض المعادن الأخرى تؤدي إلى تغيرات واضحة على المناخ ، حيث تعمل على حفظ الطاقة داخل الغلاف الغازي الأرضي بشكل مخالف للمستويات الطبيعية فتزداد معدلات درجات الحرارة عن المستويات الطبيعية ، وهذه الحالة تسمى "تأثير البيت الزجاجي" وهو البيت المألوف لدى الأردنيين ، حيث تستخدم البيوت البلاستيكية في الزراعة لحفظ الحرارة داخلها وتوفير الحرارة المطلوبة للنباتات الزراعية الموجودة داخلها ، ومن ثم زراعة المحاصيل على مدار العام دون انتظار الفصل المطلوب لنمو هذه النباتات.
ومن الأمثلة الواضحة على تأثير البراكين على المناخ والطقس ، ثوران البركان الأيسلندي "لاكي" بين عامي 1783 - 1784 الذي أدى إلى تغير معدل درجة حرارة الأرض بمعدل درجة مئوية واحدة ، وهي نسبة تعتبر كبيرة في المنطق العلمي للمناخ ، وشهدت أوروبا نتيجة لذلك آنذاك صيفا غير طبيعي ، حيث كان الصيف حارا بشكل غير مألوف ، وظهرت السماء محمرة بشكل لم يسبق له مثيل في شمال أوروبا وأمريكا ، وأدت الغازات السامة المنبعثة من البركان إلى مقتل حوالي 25 بالمائة من سكان أيسلندا لوحدها.
كما أدى البركان إلى حدوث برد قارص في شتاء عام 1784 في أوروبا وشمال أمريكا ، حيث أدى البرد الشديد إلى مقتل عدد كبير من الهنود الحمر في أمريكا الشمالية ، كما ظهرت على أشجار الصنوبر أمراض واضحة نتيجة البرد الشديد ، وقدر الخبراء أن معدل درجات الحرارة في تلك الفترة كان اقل بحوالي 4 درجات مئوية ، ولم تتعرض لها المنطقة منذ 400 عام وهي نسبة لا يمكن الاستهانة بها.
تعرضت منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لظروف مناخية مشابهة لما حصل في أوروبا عند ثوران البركان "لاكي" نتيجة لاحتراق آبار النفط في الكويت أثناء حرب الخليج الأولى وانسحاب الجيش العراقي من الكويت ، حيث أدى احتراق آبار النفط إلى انبعاث كميات هائلة من الغازات السامة وغازات الدفيئة ، ما اثر على توازن الغازات في الغلاف الجوي للمنطقة ، وشاهد سكان الشرق الأوسط ومن ضمنها العاصمة عمان تغيرا في لون السماء المائل إلى الاحمرار ، وكانت من نتيجة ذلك حصول تدني في درجات الحرارة بشكل غير معتاد ، وتولدت في المنطقة منخفضات جوية عميقة وتساقطت كميات كبيرة من الثلوج وغير اعتيادية في جميع مناطق الشرق الأوسط من ضمنها المملكة. هذه التغيرات في طقس الشرق الأوسط والخليج العربي أظهرتها دراسات قام بها المدير السابق لدائرة الأرصاد الجوية الأردنية المرحوم الدكتور على عبندة ، حيث اظهر لنا في ندوة في مؤسسة شومان - كنت مشاركا فيها - الصور الجوية والتحاليل العالمية لمنطقتنا التي تبين التغيرات الواضحة على الطقس والمناخ في الشرق الأوسط الناتجة عن احتراق آبار النفط بعد حرب الخليج الأولى.
إذن فالغازات المنبعثة من البراكين واحتراق آبار النفط والغازات العادمة المنبعثة من المصانع والسيارات في العالم تؤدي إلى تغيرات مناخية واضحة خاصة خلال السنوات المقبلة ، وهذا يدل على أن أوروبا ربما تشهد تغيرات مناخية مهمة في المستقبل ، وقد يتغير المناخ أيضا في الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية ، وهذا ما ستبينه السنوات المقبلة إن شاء الله.