بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ...
ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة وإن عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى والتمادي في المعاصي والذنوب والمحرمات والمنكرات وأكل أموال الناس بالباطل وبخس المكاييل والموازين وانتشار الفساد والربا والرشوة وعدم إخراج الزكاة كل هذا من أسباب القحط والجدب ومنع نزول الأمطار، وأن ما أصاب الأمة اليوم من جدب وقحط ومنع نزول الأمطار هو بسبب الذنوب والمعاصي وانتشار المحرمات والمنكرات.
و الماء من أعظم نعم الله تعالى, وهو أساس الحياة ، كما قال عز وجل: ((وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون))
وكثيراً ما يمتن الله تعالى على عباده بنعمة إنزال الماء من السماء ، (( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون)) ، (( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفًا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ))
وقال سبحانه: (( وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين * فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير )).
أخرج ابن ماجه وأبو نعيم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين ، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها ، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم يَنْقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله ،إلا جعل الله بأسهم بينهم".
صححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (106).
وقد جاء في هذا الحديث أمور يمنع القطر من السماء, و يحصل الجدب والقحط في الأرض .
الأمر الأول:
الفاحشه:
إنَّ من أسباب حبسِ الغيث ـ انغماسَ كثير من العباد في الشهوات والملذّات، وغفلتَهم عن طاعة ربهم، وقسوة قلوبهم جرّاء ما غشيها من أدران الذنوب والمعاصي، حتى أصبحت كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلمفي الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: ((كالكوز مجخِّياً، لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكَراً)), وفي الأثرِ عن الخليفة الرّاشد علي رضي الله عنه أنه قال: ((ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة))
ومن الذنوب التي انتشرت الزنا وهو اتصال بين الذكر والأنثى بدون عقد شرعي أو بوجود خلل في شروط هذا العقد الصحيح . والزنا أكثر الشهوات والتي إذا رأينها يجاهر بها من اسباب العقوبات العاجله والزنى أنواع : فمنه زنى البصر ومنه زنى السمع وزنى اللمس وزنى الشم وأبلغه زنى الفرج .
وعالج الإسلام هذا المرض فحرم الأسباب المؤدية له ، من ذلك : حرم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، وحرم السفور والتبرج ، وحرم كذلك خروج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها، وأمر أيضا المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، ولكن تنكر البعض للشريعة وتشبه البعض بالشرق والغرب جعلهم يسقطون في الهاوية وتكثر الأمراض عندهم كالإيدز والهربس والسيلان
الأمر الثاني:
نقص الميزان:
لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين, والأخذ بالسنين أحد أنواع البلاء والعذاب, كما قال تعالى عن عذاب آل فرعون في الدنيا: (( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون ))
ما هو نقص المكيال والميزان؟ نقص المكيال والميزان هو التطفيف, فإن كان الأمر له استوفى حقه بالكامل, وإن كان الأمر لغيره بخسه حقه .
وهذا الأمر من أسباب شدة المؤنة لأنه صلى الله عليه وسلم قال : " إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجَوْر السلطان ".
ولا يقف قول النبي صلى الله عليه وسلم في نقص المكيال والميزان عند هذا الحد, بل يتعدى إلى ما يحصل في زماننا من سرقات أموال المسلمين, والتزوير والاختلاس ، وغش الناس في معاملاتهم ، فإذا دخلت السوق وجدت البائع يَغُش المشتري ، فيجعل الرديء من السلعة في الأسفل, ويجعل الحسن في الأعلى، والله المستعان.
والسبب الثالث:
منع الزكاة:
قال صلى الله عليه وسلم : "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء" .. هذا هو السبب لتأخر نزول الغيث من السماء , يكنزون الأموال ولا يخرجون حق الله فيها, وإن أخرجوا, أخرجوا دون ما أمر الله به.
قال الله تعالى: (( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم )) .
أتعرف ما هذا العذاب الأليم؟ (( يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )).
ثم قال صلى الله عليه وسلم :" ولولا البهائم لم يُمَطروا " ، أي ولو نزلت قطرات المطر, وغيث السماء ما كان ذلك إلا للبهائم, ولولا البهائم لم ينزل الله المطر , فالمطر ليس لهؤلاء العصاة المصّرين على معاصيهم, الذين لا يقلعون عنها, إنما هو رحمة بالبهائم العجماوات . وقد تهلك البهائم بسبب معاصي بني آدم .
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه : "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم".
قال مجاهد:"إن البهائم لتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدت السنن تقول: من شؤم معصية بني آدم ".
والسبب الرابع وهو نقض العقد والميثاق:
وهذا الداء مرض خطير يستوجب غضب الله عز وجل فالإنسان الذي ينقض عهد الله وميثاقه يخرج عن العبودية لله (( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )) فعلى المسلم أداء الأمانة والوفاء بالعهد والميثاق واتباع نهج الله ورسوله .
السبب الخامس:
وهو جامع لكل معصية ورزية ، وسبب لكل فتنة ومحنة في دنيا المسلمين ، فالحكم بغير ما أنزل الله وعدم الانقياد لشرعه هو سبب مشاكل العالم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ونسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا وحكامنا إلى الحكم بما أنزل الله وأن يهديهم إلى ما فيه الخير وإلى ما يحبه ويرضاه .
قال تعالى : (( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز )).
لأسباب التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام, وإذا ما أقلع الناس عن هذه الأمور واستغفروا الله بقلوب صادقة ، كانوا على رجاء الرحمة ونزول الغيث, كما قال سبحانه وتعالى على لسان نوح عليه السلام: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا * ما لكم لا ترجون لله وقارًا )) .
وقال تعالى على لسان هود عليه السلام: (( ويا قوم استغفروا الله ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين )),
استغفروا الله وتوبوا إليه من المعاصي كلها من الشرك والبدع وما يتعلق بهما من أكل الربا, ليس الاستغفار باللسان, إنما الاستغفار بالفعال, توبوا إليه, أقلعوا عن المعصية, ومع الإقلاع استغفروا الله عز وجل, عندها يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم, وإن لم تفعلوا فسيبقى الحال على ما ترون .. ولا تنتظروا إن لم تقلعوا عن معاصيكم وتستغفروا ربكم أن ينزل عليكم المطر بمجرد قولكم: اللهم أغثنا .
إذ هو القائل تعالى: (( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون )).
قال الإمام القرطبي رحمه الله-قال علماءنا : " الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ، ويثبت معناه في الجنان، وليس التلفظ بمجرد اللسان، فمن استغفر بلسانه وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره يحتاج إلى استغفار ".
وقال بعض العلماء : "من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب ، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزىء بربه".
وكثرة التوبة والاستغفار :
1- فإن ذلك من أعظم الأسباب لحلول الأمن فى البلاد.
2- وإضفاء الطمانينة فى نفوس العباد .
3- وهو وحده الكفيل بحفظ أمة الإسلام فى كافة بلادها، ومختلف مجتمعاتها من كل ماتخشى وتحاذر. وإن من نفاذ البصيرة ، وصدق الإيمان كثرة التوبة و الإستغفار على الدوام ، فذلك هدى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مع أن الله تعالى قد غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر .
يقول أبو هريرة – رضى الله عنه -: " ما رأيت أكثر استغفارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم