هل بدأ عصر جليدي مصغر؟ موجات برد غير مسبوقة تجتاح العالم وحرارة الارض تنهار بسرعة
المركز العربي للمناخ - حصري - المهندس احمد العربيد
عند ذكر مصطلح "العصر الجليدي" , فاول ما يتبادر الى الذهن هو الجليد المنتشر الذي يغطي كل شيء , وحيوان الماموث بشكله العجيب وفروه المتجمد والمغطى بالجليد والثلج .
لك ان تعي جيداً عزيزي القارئ ان العصر الجليدي المشهور ليس هو المقصود في هذا المقال
فهنالك عصور جليدية مصغرة ضربت الارض لفترات زمنية قصيرة نسبياً والتي تعرف ب " الحقبات الباردة " كان اخرها الحقبة الباردة التي حدثت قبل حوالي 200 عام فقط في نهاية القرن الثامن عشر وحتى الربع الاول من القرن التاسع عشر تقريبا ( 1790 م - 1830 م ) والتي اطلق عليها فترة دالتون الدنيا "dalton minimum" وهي فترة انخفض فيها النشاط الشمسي بشكل ملحوظ , وادى هذا الانخفاض في النشاط الشمسي الى انخفاض حرارة الارض بالكامل عن المعدلات بمقدار يصل الى درجة مؤية كاملة , وانتشرت الموجات الباردة والثلوج في مختلف مناطق النصف الشمالي من الكرة الارضية .
الدورة الشمسية الاخيرة التي استمرت منذ عام 2009 الى عام 2020 والتي تحمل الرقم "24" انخفض فيها النشاط الشمسي بشكل ملحوظ ايضاً , وهذا ما اشارت له وكالة ناسا من خلال انظمة المراقبة لديها , وايضاً توقعت ناسا ان تكون الدورة الشمسية الجديدة " الحالية " دورة ضعيفة والتي تتمثل بانخفاض النشاط الشمسي الذي يقرأ من خلال عدد البقع الشمسية المسجلة , ولهذا السبب توقع بعض العلماء ان تدخل الارض في حقبة باردة كالتي حدثت قبل حوالي 200 عام تبدأ بصورة تدريجية وبطيئة من عام 2015 الى ان تبلغ ذورة التبريد حول عام 2035 ميلادي .
وبناء على ما سبق بدئنا نلمس انعكاس التبريد العالمي بشكل ملحوظ في عام 2020 , فلقد تميز هذا العام بسهولة كسر اي رقم قياسي وحقيقة يستحق لقب " عام العجائب "
كسر شهر ديسمبر 2020 الماضي ارقاماً قياسية كثيرة مناخياً استناداً الى الارشيف المناخي , واعلنت ذلك دول العالم ومراكز الطقس بكل صراحة , حيث ان اثر التبريد كان كبير وانعكس على حياة الناس مباشرة. هذا ويتوقع ان تستمر هذه الموجات الباردة غير العادية بضرب الكثير من مناطق العالم خلال هذا الشتاء.
ابتداءً من دول شرق اسيا ووسطها وصولاً الى القارة الامريكية الشمالية واسترالياً ومؤخراً بدئت الموجات الباردة بضرب غرب ووسط القارة الاوربية وصولاً الى شمال غرب افريفيا " دول المغرب العربي" مع توقعات باستمرار الموجات الباردة هناك خلال الفترة القادمة.
ماذا يحدث حول العالم ؟
اولا : اليابان - سجلت تراكمات الثلوج الضخمة في اليابان ارقام قياسية جديدة خلال ديسمبر الماضي, اضافة الى انخفاض الحرارة بشكل كبير وغير مسبوق وقياسي ايضاً , مؤخراً توقعت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية أن تستمر موجة البرد " الأقوى منذ عدة سنوات " بالتأثير على البلاد وحذرت من التسبب في اضطراب حركة المرور بالاضافة الى ان السلطات اليابانية قامت بالغاء العديد من الرحلات الجوية , تعتبر اليابان من الدول التي تتلقى كميات ثلوج "ضخمة" كل عام , حيث ان هذا الامر طبيعي ومعتاد في تلك الدولة , ولكن ما هو غير معتاد ان تسجل اليابان ارقاماً قياسية , كتساقط مترين من الثلوج وتراكمها خلال فترة قصيرة من الزمن , او انخفاض درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة في اماكن تعتبر حالات التجمد فيها امر معتاد . للمزيد حول العاصفة الثلجية التي تتعرض لها اليابان اضغط هنا
ثانيا : روسيا - بلد الثلوج والانجماد , تعرضت خلال ديسمبر الماضي الى موجات برد عنيفة تركزت في معظمها نواحي سيبيريا , من المعروف ان المناطق السيبيرية تتعرض لاكثر درجات حرارة متطرفة وباردة خلال فصل الشتاء , فمن الطبيعي ان تشاهد في تلك المناطق درجات حرارة حول -40 تحت الصفر , وما هو غير طبيعي ان تتعرض تلك المناطق الى انحراف في درجات الحرارة عن المعدلات العامة بحيث تصل الى سالب 20 درجة عن المعدل !! , هل لك ان تتخيل عزيزي القارئ ما معنى ان تنحرف الحرارة في احد مصادر البرودة في فصل الشتاء عن المعدلات الطبيعية بهذا المقدار الهائل ؟
مؤخراً علقت السفينة الروسية العابرة للقارات "سبارتا 3" في الجليد , بعد عدة محاولات لانقاذ السفينة المعتادة على تحطيم الجليد !! فلقد تفاجئ طاقم السفنية بسماكات ضخمة من الجليد تشكلت بسرعة في خليج ينسي مع درجات حرارة تجاوزت الخمسين درجة تحت الصفر "-50" .
اعلن معهد Roshydromet ان اغلب الاراضي السيبيرية تتعرض لاقوى موجة باردة على الاطلاق واكد المعهد في 28 ديسمبر أن " الارقام القياسية لدرجات الحرارة المنخفضة قد كُسرت في بارناول ونوفوكوزنتسك وكيميروفو".
ثالثا : الصين - حطمت بكين الرقم القياسي المسجل كاخفض درجة حرارة مسجلة في ديسمبر , حيث وصلت درجات الحرارة هناك الى مادون 26 درجة مؤية تحت الصفر , وقفزت على اثر الموجات الباردة المتتالية التي تضرب الصين مؤشرات واردات الغاز الطبيعي المسال لمكافة البرد القارس .
تم تسجيل هذا الانخفاض المذهل البالغ -26 درجة مئوية (-14.8 درجة فهرنهايت) في مرصد بكين فودينج للأرصاد الجوية ، وهو أعلى مرصد للطقس في بكين - وهي قراءة كسرت بشكل مريح الرقم القياسي المسجل في عام 1978. قال مركز الأرصاد الجوية الصيني الرسمي إن موجة البرد ستؤثر على ما لا يقل عن 27 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم ، بينما ستعاني أجزاء من جنوب الصين ، الواقعة في المنطقة شبه الاستوائية ، من درجات حرارة نادرة تحت الصفر في الأيام والاسابيع المقبلة . للمزيد من التفاصيل حول موجة البرد الصينية اضغط هنا
رابعا : قارة امريكا الشمالية - ضربت موجات البرد المتتالية اجزاء واسعة من القارة الامريكية الشمالية , وتم تسجيل العديد من الارقام القياسية على مستوى درجات الحرارة وسماكة الثلوج خلال ديسمبر خصوصا في مناطق شمال شرق الولايات المتحدة الامريكية , مؤخرا وصلت الرياح القطبية التي تعمقت داخل اليابسة الى مناطق شبه استوائية وخفضت درجات الحرارة هناك بشكل غير مسبوق .
تشير التقارير المستلمة ان الرياح الباردة وصلت الى المكسيك , حيث اضطر السكان الذين اعتادوا على درجات الحرارة الدافئة في يوكاتان المكسيكية إلى الاختباء تحت البطانيات الأسبوع الماضي وذلك على اثر النزول القطبي البارد والمتطرف الذي اجتاح شرق الولايات المتحدة ووصل الى جنوب فلوريدا إلى المكسيك .
هذا وقد حذر خوان فازكيز مونتالفو ، خبير الأرصاد الجوية في يوكاتان ، انه من المتوقع أن يزداد هذا البرد القطبي غير العادي خلال العام الجديد. قال مونتالفو ، لقد تأثرنا بالفعل ببرودة كبيرة في ديسمبر لم تحدث منذ سنوات. حطمت Motul ومنطقة Henequen الرقم القياسي لدرجات الحرارة اليوم ، مع 8 درجات مئوية (46 فهرنهايت) . قد يكون موسم الشتاء 2020-2021 موسمًا محطماً للأرقام القياسية المناخية ، هذا ما ذكره موقع yucatanexpatlife.com ،
للمزيد حول الموجة الباردة التي تؤثر على المكسيك اضغط هنا
خامسا: كندا - لم يتمكن عمدة بانجنيرتونج إريك لولور من رؤية نوافذ منزله يوم الأحد بسبب ارتفاع سمك الثلوج المتراكمة ، حسب عدد من الصحف الكندية. كان ذلك عندما ضربت عاصفة ثلجية حطمت الرقم القياسي في جزيرة بافين .
قالت وزارة البيئة وتغير المناخ الكندية (ECCC) إن العاصفة التي ضربت البلاد جلبت رياح شديدة السرعة و قياسية وثلوج كثيفة في جميع أنحاء نونافوت.
في Pangnirtung ، وصلت سرعة الرياح رسميًا إلى 135 كيلومترًا في الساعة (84 ميلاً في الساعة) ، على الرغم من أن السكان المحليين سجلوا سرعة لهبات الرياح وصلت الى 180 كيلومترًا في الساعة (110 ميل في الساعة).
في الحقيقة , تكثر الامثلة , هنالك العشرات من الارقام القياسية سجلت خلال ديسمبر الماضي شملت دول شرق ووسط اسيا وامتدت الى اسكوتلندا وشملت الجزء الجنوبي من الارض وتحديداً استراليا ومن المتوقع ان يستمر التطرف المناخي البارد ليحطم المزيد من الارقام القياسية خلال يناير الحالي حسب اخر المؤشرات من مراكز ونماذج الطقس العالمية !!
طقس متطرف على غير العادة !!
تم تسجيل رقم قياسي عالمي في ارتفاع الضغط الجوي بلغ 1094.3 ميليبار في منغوليا
سجلت محطة أرصاد جوية أوتوماتيكية في Tsetsen-Uul ، غرب مقاطعة Zavkhan ، ضغط جوي مرتفع جداً بلغ قدره 1094.3 مليبار مع درجات حرارة شديدة البرودة وصلت إلى -45.5 درجة مئوية تحت الصفر . تفوق هذا الرقم المرتفع جداً في الضغط الجوي السطحي على الرقم القياسي العالمي السابق البالغ 1089.4 مليبار الذي تم تسجيله أيضًا في منغوليا منذ 16 عامًا بالضبط في 30 ديسمبر.
وعلى النقيض تماما وتزامنا مع هذا الحدث العظيم , أدى اصطدام كتلة هوائية شديدة البرودة قادمة من القطب الشمالي عبر سيبيريا مع كتلة هوائية أكثر دفئًا وشبه استوائية متمركزة جنوب اليابان الى حدوث اضطراب جوي هائل شديد التفاعل نتج عن هذا الاضطراب عاصفة عظيمة شديدة انخفاض الضغط , حيث وصل الضغط الجوي في مركز هذه العاصفة الى حوالي 921 هيكتاباسكال وفقًا لموقع washingtonpost.com , حيث تم اعتبار هذه العاصفة أقوى إعصار" غير استوائي " منذ عام 1958 على الأقل.
اين نحن من كل هذا ؟
بخصوص البلاد العربية :
بدأت بلاد المغرب العربي باستقبال سلسلة من النزولات القطبية شديدة البرودة منذ منتصف ديسمبر الماضي , تساقطت الثلوج في الجزائر والمغرب وتونس ووصلت الثلوج الى مرتفعات 700 م عن سطح البحر في تلك المناطق , ومازالت التوقعات تشير الى ان هنالك موجات قطبية اخرى في طريقها الى البلاد حيث من المتوقع ان تبدأ الرياح القطبية بالاندفاع بداية هذا الاسبوع صوب وسط البحر الابيض المتوسط لتتعمق داخل الاراضي الجزائرية والمغربية والتونسية , ويحتمل على اثرها ان تتساقط الثلوج الغزيرة لتصل الى المرتفعات الجبلية التي يزيد ارتفاعها عن 500 م عن سطح البحر وفقاً لاخر البيانات المستلمة .
اما بلاد الشام ومصر والعراق وشرق ليبيا , فلم تتأثر حتى وقتنا هذا بالموجات شديدة البرودة التي تضرب العالم بصورة مباشرة , ولكن تشير اخر الدراسات التي اجريناها ان النشاط البارد سينتقل قريباً الى المنطقة , وسنقوم باصدار التوقعات الجوية الخاصة بذلك قريباً في مقال منفصل باذن الله تعالى.
الخلاصة :
اولا : موجات البرد امر طبيعي , تحدث في كل موسم شتاء , وعادة ما تسجل بعض المناطق في العالم ارقاماً قياسية ولكن ان يتم تسجيل هذا الكم الكبير من الارقام القياسية في انخفاض درجات الحرارة وتراكم الثلوج الكثيفة والضغط الجوي وسرعة الرياح وخلافه , في وقت قصير تزامناً مع التوقعات التي اشارت الى دخول الأرض في احتباس حراري فهذا يعتبر تناقض !! جميع التقارير التي صدرت قديما كانت تشير الى ان الارض ستكون في حلول العام 2020 كالفرن , وان الجزر والسواحل ستغرق , وان المناطق المعتادة على البرودة ستصبح اكثر دفئاً , وان تختفي ظاهرة اللانينا " التبريد في مياه المنطقة 3.4 من المحيط الهادئ ". فاين هذا الان ؟
ثانيا : سجل مؤخراً انخفاض في متوسط درجة الحرارة العالمية "لكامل الكرة الارضية" , حيث انه وبالمقارنة مع العام الماضي لمثل هذا الوقت فقد بلغ الفارق في الانخفاض حوالي نصف درجة مؤية عن المعدل .
بدأ الانهيار في درجات الحرارة ملحوظاً في نصف الكرة الارضية الشمالي في منتصف شهر " ديسمبر " الماضي , وتأثرت الكثير من دول العالم ببرودة شديدة كسرت الارقام القياسية كما ذكر اعلاه .
يظهر الرسم البياني التالي "NCEP GFS vs CFSR." مسار انحراف درجات الحرارة السطحية عن المعدل العام في الكرة الارضية ونستطيع ملاحظة الهبوط السريع والحاد في متوسط درجات الحرارة المسجلة بكل سهولة
ثالثا : وللامانة العلمية فقد يكون احد اهم اسباب انخفاض الحرارة المتسارع هو البراكين , فلقد ثارت عدة براكين خلال الفترة الماضية باعداد كبيرة نسبياً , محصلة ما تنفثه هذه البراكين من ثاني اكسيد الكبريت يعادل ثوران بركان عظيم قادر على خفض درجة حرارة الارض بسرعة .
رابعا : كان احد اهم اسباب تاخر انعكاس التبريد في الغلاف الجوي خلال السنوات الماضية هو الطاقة الحرارية المخزنة في المحيطات , فيزيائياً الجماد يبرد ويسخن بشكل اسرع من السائل , وهذا ايضاً ينطبق على المناخ , اليابسة تبرد بسرعة وتسخن بسرعة , وعلى النقيض تماماً فان مياه البحار والمحيطات تبرد بشكل بطيء وتسخن ايضاً بشكل بطيء , لذلك تحتاج المحيطات وقت طويل نسبياً من الزمن لتفريغ الطاقة الحرارية المخزنة في مياهها .
خامسا : احد اهم نتائج الحقبات الباردة هو تمدد التيار القطبي النفاث وينعكس ذلك بان تتحرك البرودة التي تتكدس كل شتاء في القطب الشمالي بكميات كبيرة صوب العروض الوسطى والدنيا مخلفة بذلك موجات شديدة البرودة في مناطق غير معتاد لها ان تتلقى كميات كبيرة من البرودة , ولقد تمدد التيار النفاث مؤخراً بصورة كبيرة وزادت تعرجاته الطولية!!
سادساً : يتوقع ان تشهد الارض مزيداً من التبريد خلال الفترة القادمة وسنتابع معكم في المركز العربي للمناخ اخر التحديثات اولاُ بأول , تابعونا .
والله اعلى وأجل وأعلم - المهندس احمد العربيد
حرر بتاريخ 2-1-2021 ميلادي .