سلسلة موجات قطبية تضرب المغرب العربي , ودور بلاد الشام والعراق ومصر قريباً
المركز العربي للمناخ - حصري - المهندس احمد العربيد
المقدمة : يعيش العالم حالياً فترة تبريد "شبه مفاجئة" , كنا قد تابعناها في المركز العربي للمناخ من خلال تقارير علمية مرفقة بشرح مفصل عن اسباب هذا التبريد .
في الحقيقة لم نتفاجئ هنا في "المركز العربي للمناخ" من هذا التبريد نظراً لاننا كنا قد توقعنا ذلك مسبقاً استناداً للابحاث التي نشرها العديد من العلماء حول العالم والتي تشير الى ان الارض ستبدأ بدخول حقبة باردة نظراً لانخفاض النشاط الشمسي . يمكنكم متابعة المزيد حول ذلك في قسم المناخ لدينا " اضغط هنا للذهاب الى القسم ".
سجل شهر ديسمبر الماضي انخفاض واضح على معدل درجة حرارة الارض , وعلى اثر ذلك اجتاحت الرياح الباردة مناطق العالم وحُطمت العديد من الارقام القياسية العالمية على مستوى درجات الحرارة المنخفضة والهطولات الكثيفة .
امتد النشاط البارد اخيراً الى دول المغرب العربي , حيث تأثرت الجزائر وتونس والمغرب واجزاء من غرب ليبيا برياح قطبية باردة من اصل قطبي , عملت على تشكل سلسلة منخفضات جوية وتساقط الثلوج على المرتفعات الجبلية لأكثر من مرة .
مناطق الضد وتأخر الشتاء !!
كثيراً ما نسمع بمصطلح " مناطق الضد " في صفحات الطقس , هذا المصطلح مستخدم بكثرة من قبل المختصين والهواة , والمقصود فيه بشكل مبسط هو : " التضاد والتناقض للنشاط الشتوي على المستوى الاقليمي " أي عندما تتأثر مناطق معينة بمنخفضات جوية ونزولات باردة , تكون مناطق اخرى مضادة لها تتأثر بمرتفعات جوية واجواء مستقرة بشكل متزامن .
اشهر مثال على مناطق الضد في الاقليم العربي هو بلاد الشام والعراق ضد المغرب العربي , اشتهر انه عندما يوجد نشاط في منطقة بلاد الشام يسود استقرار في بلاد المغرب العربي والعكس صحيح .
حقيقة , وبعد متابعة حثيثة وتحليل الكثير من العمليات الجوية السابقة استناداً الى الارشيف المناخي , وجدنا في المركز العربي للمناخ ان هذه المناطق ليست مناطق تضاد بالمعنى الصريح وبشكل دائم .
لوحظ في الارشيف المناخي وجود العديد من حالات الاقتران في النشاط البارد والاستقرار لدى الاقليمين الشامي والمغربي . اي هنالك فترات تزامنت فيها المنخفضات الجوية والنزولات الباردة والاستقرار لدى المنطقتين . مع العلم ان بعض الحالات كانت ترجح لمصلحة منطقة على حساب الاخرى واحياناً يتساوى النشاط نسبياً .
ومهما كان الطقس مضاد في هذه المناطق " في بعض الحالات " فان النشاط يتأرجح بينها طوال الشتاء وتكون الانقطاعات على مستوى اسبوع الى اسبوعين في الغالب لمناطق على حساب الاخرى , اي انقطاعات قصيرة الزمن نسبياً تسبب تذبذب في حالة الطقس السائدة مؤقتا على مناطق بلاد الشام والمغرب العربي .
مناطق الضد الحقيقية طويلة التأثير زمنياً .
في علوم المناخ , تقسم المناطق في الكرة الارضية الى اقاليم مناخية , يعتمد التقسيم المناخي لهذه المناطق على عدة عوامل متشابهة ومشتركة في التأثير المناخي السائد والضغوط الجوية " سنشرح ذلك في مقال منفصل " .
التقسيم المناخي الاقليمي المعتمد لمناطق العالم كما هو موضح بالصورة التالية :
توضح الصورة اعلاه التقسيم المناخي الاقليمي لمناطق العالم , في الدائرة الحمراء يقع الاقليم المناخي الاوروبي , تقع مناطق بلاد الشام واجزاء من دول المغرب العربي ضمن هذا النطاق المناخي " اي تشترك هذه المناطق في نفس المؤثرات المناخية السائدة نسبياً "
عندما تنتقل الكتل الهوائية الرئيسية الباردة وتتركز في اقاليم مناخية معينة فان ذلك يكون على حساب الاقاليم المناخية الاخرى , لتسيطر عليها كتل هوائية دافئة , والعكس صحيح " وهذا ما يشكل مناطق ضد مناخية على مستوى الاقاليم " وهذا التوزيع قد يكون طويل الامد نسبياً احياناً , لتختفي ملامح الشتاء الحقيقي في الاقليم الذي تسيطر فيه كتل هوائية دافئة نسبياً او مرتفعات جوية لفترات طويلة قد تمتد من 3 اسابيع فأكثر , وهذا حقيقة ما كان يخيفنا في الفترة الماضية , فلقد اختفت في ديسمبر ملامح الشتاء العنيف المنتظر على الرغم من التبريد العالمي الذي تتأثر به الارض في اجزاء واسعة من المناخ الاقليمي الاوروبي وخصوصا البلاد العربية .
تركزت الكتل الهوائية الباردة جداً في النصف الشمالي من الكرة الارضية في الاقليم الاسيوي وتحديدا شرق ووسط اسيا , وفي الاقليم الامريكي , وتأثرت تلك المناطق بموجات باردة جداً حطمت ارقام قياسية تاريخية كما ذكرنا سابقا , وفي المقابل لم تكن القارة الاوروبية تحت تأثير الكتل الباردة " بشكل رئيسي " , وهذا ادى الى اختفاء ملامح الشتاء في ديسمبر بصورة رئيسية عامة , مع العلم انه وفي بعض الحالات تتوزع الكتل الباردة بين الاقاليم , ولكن نتيجة لعوامل مناخية كثيرة كان التركيز في الاجزاء المضادة السابق ذكرها .
وأخيراً , بدأت الكتل الهوائية القطبية الرئيسية في الانتقال تدريجياً الى الاقليم المناخي الاوروبي وتعرضت اجزاء واسعة من وسط وغرب القارة الاوروبية الى موجات باردة جداً ادت الى تساقط الثلوج على عدة دول اوروبية , وتأثرت مناطق المغرب العربي بنزولات قطبية رئيسية متتالية , لتنضم الى الحدث العالمي الابرز لهذا الموسم وتدخل الشتاء بكل قوة . والمزيد قادم ..
سلسلة نزولات باردة تؤثر على دول المغرب العربي حتى نهاية الثلث الاول من شهر "1" يناير على اقل تقدير
تأثرت دول المغرب العربي خلال الفترة الماضية وحالياً بموجات قطبية علوية شديدة البرودة . ونتجت هذه الموجات على اثر تشكل نزول قطبي بارد امتد من القطب الشمالي نزولاً الى وسط وغرب اوروبا , الى ان وصل عزم هذه الكتلة الهوائية الباردة الى دول المغرب العربي وشملت تونس والجزائر والمغرب واجزاء من غرب ليبيا . وتساقطت الثلوج على المرتفعات الوسطى والشرقية التي يتجاوز ارتفاعها 700 متر. وشملت ولايات عديدة في الجزائر مثل البويرة وتيزي وزو بجاية وجيجل وسطيف وبرج بوعريريج وقسنطينة وميلة وقالمة وسوق أهراس وأم البواقي وباتنة وخنشلة وتبسة.
التاثير القطبي مستمر وعلى فترات لكامل الثلث الاول من يناير على اقل تقدير في دول المغرب العربي وعلى فترات . والله اعلم
سبب تأخر " الشتاء الحقيقي " على بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية
بشكل عام السبب الرئيسي هو ما ذكر اعلاه " تمركز الكتل الهوائية الباردة في اقاليم مناخية بعيدة " اضافة الى انه وعند انتقال الكتل الباردة الرئيسية الى الاقليم المناخي الاوروبي , بدأ تاثيرها في مناطق الضد قصيرة التأثير الزمني " غرب ووسط اوروبا والمغرب العربي " وعلى اثر ذلك ارتبط عنصران مضادان ببعضهما البعض زمنياً وكانت النتيجة تأخر الشتاء الحقيقي حتى وقتنا هذا , مع العلم اننا تأثرنا بفلتات باردة , ولكن كان تاثيرها محدود زمناً وكماً .
اضافة الى ان احد اهم الاسباب هو حدوث احترار استراتوسفيري مفاجئ SSW مطلع عام 2021 والذي قلب موازين توقعات الطقس رأساً على عقب .
دور الاحترار الستراتوسفيري
تعرضت طبقة الستراتوسفير فوق القطب الشمالي الى احترار مفاجئ مؤخراً خلال الثلث الاخير من شهر ديسمبر الماضي وهو مستمر حتى الان , عمل هذا الاحترار على قلب موازين الكتل الهوائية الباردة في العروض العليا والوسطى , قمنا بتغطية هذا الحدث من خلال عدة مقالات علمية احداها الاحترار الستراتوسفيري القطبي اصبح مؤكداً مطلع العام 2021 , ما تأثير ذلك علينا .
عادة عندما يحدث الاحترار الستراتوسفيري المفاجئ"SSW" فان الارباك الذي يرافقه ليس مقصوراً فقط على التقلبات المفاجئة التي يسببها في طبقات الجو " الطقس " , بل يمتد هذا الارباك ليؤثر ايضاً على مجتمع المناخيين وخبراء الطقس والهواة , فالكل ينتظر نتائج هذا الاحترار المفاجئ في طبقات الجو العليا على طبقات الجو السفلى " طبقة التروبوسفير " , فتبدأ التوقعات بالتخبط ابتداءً من مراكز الطقس العالمية وصولاً الى خبراء الطقس وانتهاء بنماذج الطقس .
التوقعات الجوية ما قبل تأكيد الاحترار الستراتوسفيري وما قبل لمس بداية تاثيره على طبقة التروبوسفير عادة ما تكون منخفضة الدقة , نظراً لما يحمله هذا الاحترار من ردود فعل عشوائية على طبقة التروبوسفير . لذلك نجد ان البعض توقع ان يسود انقطاع في الحالات الباردة شرق اوروبا طوال فترة التاثير , والبعض الاخر توقع العكس , والبعض اجزم ان الاثر سيكون سلبي على بلاد الشام وايجابي على دول المغرب العربي , والبعض توقع حدوث انقسام في القطب والبعض الاخر توقع انزياح وكثيرة هي الاراء والتوقعات التي صدرت .
التزمنا هنا في المركز العربي للمناخ الحيادية النسبية في موضوع الاحترار الستراتوسفيري واكدنا ان رد فعل هذا الاحترار غير نمطي "عشوائي بامتياز" , اضافة اننا لمسنا بعض المؤشرات الايجابية وبناء عليه اصدرنا توقعاتنا المبدئية , الى ان بدأت اخيراً نماذج الطقس بعكس رد فعل هذا الاحترار بطريقة منطقية شبه ثابته , كانت على شكل مؤشرات ظهرت على نماذج الطقس والانسامبلز مؤخراً , وتكررت هذه النتائج المنطقية والتي اشارت بعدة تحديثات متتالية الى ان النشاط القطبي البارد جداً سيصبح مركزاً تدريجياً خلال الثلث الاول من يناير في الاقليم المناخي الاوروبي , بحيث يتركز النشاط بدايةً في الجزء الغربي امتداداً لوسط اوروبا وصولاً لبلاد المغرب العربي خلال الثلث الاول , لينتقل خلال الثلث الثاني الى شرق اوروبا ويمتد ليؤثر على بلاد الشام , ولكن هذه المرة سيكون النشاط من خلال ظهور الدوامة الروسية .
الدوامة الروسية تستيقظ من سباتها اخيراً
يرتبط في ذاكرة متابعين الطقس في بلاد الشام والعراق ومصر امور جميلة عند ذكر الدوامة الروسية , وهي عبارة عن كتلة هوائية شديدة البرودة منخفضة الضغط نسبياً , تتمركز لتغطي الجزء الغربي من روسيا وتمتد الى اوروبا الشرقية وتشمل الدول الاسكندنافية وصولا الى تركيا , عند نشوء هذه الدوامة تزداد فرصة تعرض مناطق بلاد الشام والعراق وشمال مصر , لنزول قطبي بارد جداً او عدة نزولات قطبية متتالية , ارشيفياً هذه الدوامة ساهمت باسعاد كثير من الناس لانها تسببت بنشوء عواصف ثلجية في المناطق المذكورة .
علمياُ : تواجد التركيز العالي للبرودة داخل الدوامة الروسية " شرق اوروبا " وتمركزها بهذا الموقع يسمح بتولد فلتات باردة جداً من خلالها تصل الى مناطق الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط لتشكل منخفض جوي قطبي عميق وبارد جداً .
ولكن وفي بعض الحالات وعند انخفاض الضغط بشكل كبير في مركز هذه الدوامة الباردة ينحسر الهواء القطبي البارد في العروض العليا ولا يهبط صوب المنطقة .
مؤخرا ظهرت هذه الدوامة على توقعات نماذج الطقس وتحديداً ما بعد منتصف شهر يناير " الفترة المتوسطة " , ظهورها لعدة تحديثات متتالية على نماذج الطقس يبشر بخير الى المنطقة بصورة مبدئية , وهي تحت المراقبة , وسنطلعكم بكل جديد حول ذلك .
عودة النشاط البارد والمنخفضات الجوية الى بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية في الثلث الثاني من شهر يناير
في الفترة الحالية وخلال الثلث الاول من شهر يناير يتوقع ان تسود اجواء شبه مستقرة على المنطقة , مع احتمالية تأثر البلاد بدرجات حرارة اعلى من المعدل
هذا الاستقرار نحن نراه مفيد للمنطقة , تشير اخر بيانات رصد حرارة المياه الى ان مياه شرق البحر الابيض المتوسط والبحر الاسود اكتسبت حرارة ممتازة خلال الفترة الماضية , هذا الاحترار في المياه حقيقةً هو اعلى من المعدلات , المياه الدافئة في فيزياء المناخ تعتبر " مصيدة " للكتل الهوائية الباردة , اي نقطة جاذبة للكتل الباردة , بحيث عند اقتراب هذه الكتل من سطح المياه الساخن تزيد معدلات الاضطراب الجوي بسبب الفروقات الحرارية , وعلى اثر ذلك نتوقع ان تكون المنخفضات الجوية خلال الفترة القادمة منخفضات " عميقة " شديدة الاضطراب ومترافقة بالعواصف الرعدية. اضافة الى ان فترات الانقطاع الطويلة نسبياً قد تتسبب بحدث هام لاحقاً في اغلب الاحيان.
هذا وتشير اخر البيانات المناخية المستلمة والتي تم تحليلها ودراستها لعدة مرات الى احتمالية عودة النشاط الجوي البارد والمنخفضات الجوية الى المنطقة لما بعد 10-1-2021 , ومن المتوقع ان يعود النشاط بصورة تدريجية ومتصاعدة بحيث تبدأ المنطقة باستقبال كتل هوائية باردة وتزداد احتمالية تعرض البلاد لكتل هوائية ابرد قد يتولد عنها منخفضات جوية عميقة تحمل معها الثلوج على المرتفعات الجبلية , لذلك نحن نراقب الوضع الان وسنقوم بتزويدكم بكل جديد حول ذلك باذن الله تعالى ,
وتجدر الاشارة الى اننا قمنا بعمل دراسة موسعة وعالية المستوى لتوقع عاصفة ثلجية تؤثر على بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية هذا الموسم , وكانت احدى الفترات المقترحة لاستقبال كتلة هوائية باردة جداً من اصل قطبي هي فترة ما حول 17 يناير . اضغط هنا لمشاهدة الدراسة
والله اعلى واعلم - المهندس احمد العربيد
حرر بتاريخ 4-1-2021
يمنع النقل والتداول دون ذكر المصدر