هذه هي قصة الأصمعي مع أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي، فلقد كان أبو جعفر المنصور يحفظ القصيدة من أول مرة، وعنده غلام يحفظ القصيدة من المرة الثانية، وعنده جارية تحفظ القصيدة من المرة الثالثة، وكان أبو جعفر ذكياً، فأراد أن يباري الشعراء فنظَّم مسابقة للشعراء فإن كانت من حفظه منح جائزة، وإن كانت من نقله فلم يعط شيئاً، فيجيء الشاعر وقد كتب قصيدة ولم ينم في تلك الليلة لأنه كان يكتب القصيدة؛ فيأتي فيلقي قصيدته فيقول الخليفة: إني أحفظها منذ زمن.. ويخبره بها فيتعجب الشاعر ويقول في نفسه: يكرر نفس النمط في بيت أو بيتين أما في القصيدة كلها فمستحيل!!!!!!... فيقول الخليفة: لا وهناك غيري، أحضروا الغلام. فيحضروه من خلف ستار بجانب الخليفة، فيقول له: هل تحفظ قصيدة كذا ؟؟؟ فيقول: نعم، ويقولها فيتعجب الشاعر!! فيقول:لا وهناك غيرنا، أحضروا الجارية.. فيحضروها من خلف الستار، فيقول لها: هل تحفظين قصيدة كذا ؟؟؟ فتقول: نعم، وتقولها. عندها ينهار الشاعر ويقول في نفسه: لا أنا لست بشاعر.. وينسحب مهزوماً.....
فتجمع الشعراء في مكان يواسون بعضهم؛ فمر بهم الأصمعي فرآهم على هذه الحال، فسألهم: ما الخبر؟؟؟؟ فأخبروه بالخبر فقال:أن في الأمر شيئاً، لابد من حل....فجاءه الحل فكتب قصيدة جعلها منوعة الموضوعات، وتنكر بملابس أعرابي حتى لا يعرف وغطى وجهه حتى لا يعرف ودخل على الخليفة وحمل نعليه بيديه وربط حماره إلى عامود بالقصر، ودخل على الخليفة وقال: السلام عليك أيها الخليفة. فرد السلام، وقال: هل تعرف الشروط؟؟ قال: نعم. فقال الخليفة: هات ما عندك. قال الأصمعي:
صَوْتُ صَفِيْرِ البُلْبُلِ
هَيَّجَ قَلْبِيَ الثَمِلِ
المَاءُ وَالزَّهْرُ مَعَاً
مَعَ زَهرِ لَحْظِ المُقَلِ
وَأَنْتَ يَاسَيِّدَ لِي
وَسَيِّدِي وَمَوْلَى لِي
فَكَمْ فَكَمْ تَيَّمَنِي
غُزَيِّلٌ عَقَيْقَلي
قَطَّفْتُ مِنْ وَجْنَتِهِ
مِنْ لَثْمِ وَرْدِ الخَجَلِ
فَقَالَ بَسْ بَسْبَسْتَنِي
فَلَمْ يَجّدُ بالقُبَلِ
فَقَالَ لاَ لاَ لاَ لاَ لاَ
وَقَدْ غَدَا مُهَرْولِ
وَالخُودُ مَالَتْ طَرَبَاً
مِنْ فِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ
فَوَلْوَلَتْ وَوَلْوَلَتُ
وَلي وَلي يَاوَيْلَ لِي
فَقُلْتُ لا تُوَلْوِلِي
وَبَيِّنِي اللُؤْلُؤَلَي
لَمَّا رَأَتْهُ أَشْمَطَا
يُرِيدُ غَيْرَ القُبَلِ
وَبَعْدَهُ لاَيَكْتَفِي
إلاَّ بِطِيْبِ الوَصْلَ لِي
قَالَتْ لَهُ حِيْنَ كَذَا
انْهَضْ وَجِدْ بِالنَّقَلِ
وَفِتْيَةٍ سَقَوْنَنِي
قَهْوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمْتُهَا بِأَنْفِي
أَزْكَى مِنَ القَرَنْفُلِ
فِي وَسْطِ بُسْتَانٍ حُلِي
بالزَّهْرِ وَالسُرُورُ لِي
وَالعُودُ دَنْ دَنْدَنَ لِي
وَالطَّبْلُ طَبْ طَبَّلَ لِي
وَالسَّقْفُ قَدْ سَقْسَقَ لِي
وَالرَّقْصُ قَدْ طَبْطَبَ لِي
شَوَى شَوَى وَشَاهِشُ
عَلَى وَرَقْ سِفَرجَلِ
وَغَرَّدَ القِمْرِ يَصِيحُ
مِنْ مَلَلٍ فِي مَلَلِ
فَلَوْ تَرَانِي رَاكِباً
عَلَى حِمَارٍ أَهْزَلِ
يَمْشِي عَلَى ثَلاثَةٍ
كَمَشْيَةِ العَرَنْجِلِ
وَالنَّاسُ تَرْجِمْ جَمَلِي
فِي السُوقِ بالقُلْقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعْكَعْ كَعِكَعْ
خَلْفِي وَمِنْ حُوَيْلَلِي
لكِنْ مَشَيتُ هَارِبا
مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ
مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ
حَمْرَاءْ كَالدَّمْ دَمَلِي
أَجُرُّ فِيهَا مَاشِياً
مُبَغْدِدَاً للذِّيَّلِ
أَنَا الأَدِيْبُ الأَلْمَعِي
مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوْصِلِ
نَظِمْتُ قِطعاً زُخْرِفَتْ
يَعْجِزُ عَنْهَا الأَدْبُ لِي
أَقُوْلُ فِي مَطْلَعِهَا
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ
هنا تعجب الخليفة ولم يستطع حفظها لأن فيها أحرف مكررة فقال: والله ماسمعت بها من قبل. أحضروا الغلام، فأحضروه؛ فقال: والله ما سمعتها من قبل. قال الخليفة: أحضروا الجارية، فقالت: والله ما سمعت بها من قبل........ فقال الخليفة: إذاً أحضر ما كتبت عليه قصيدتك لنزينها ونعطيك وزنها ذهباً. فقال الأصمعي: لقد ورثت لوح رخامٍ عن أبي لا يحمله إلى أربعة من جنودك. فأمر الخليفة بإحضاره، فأخذ بوزنه كل مال الخزنة فعندما أراد الأصمعي المغادرة قال الوزير: أوقفه يا أمير المؤمنين والله ما هو إلى الأصمعي. فقال الخليفة: أزل اللثام عن وجهك يا أعرابي. فأزال اللثام فإذا هو الأصمعي، فقال: أتفعل هذا معي، أعد المال إلى الخزنة. فقال الأصمعي: لا أُعيده إلا بشرط أن ترجع للشعراء مكافئاتهم.. فقال الخليفة: نعم،،،، فأعاد الأصمعي الأموال وأعاد الخليفة المكافئات.
شكرا