هل نرى ربنا يوم القيامة؟ هذا السؤال طرح قبل ألف وأربعمائة سنة، وأجاب عليه أفضل الخلق الذي لا ينطق عن الهوى، محمد صلى الله عليه وسلم، وأكده في غير ما موضع من كلامه ليزيد من إيمان الصحابة وشوقهم إلى الدار الآخرة، فلماذا لا نتأسى بهم، ونعد أنفسنا بالأعمال الصالحة، كي نرى ربنا سبحانه وتعالى؟! رؤية المؤمن لربه يوم القيامة اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق. اللهم لك أسلمنا وبك آمنا، وعليك توكلنا وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادة ندخرها للعرض الأكبر على الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، شهادة نعدها لذاك اليوم يوم الأهوال والنكال، يوم لا ينفع من الأقوال والأعمال إلا ما كان لوجه ذي الجلال والإكرام. اللهم إنه ليس عندنا من الأعمال ما نعده إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أخوتي : لنستمع إلى أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وهو يروي لنا حديثاً يصل إلى القلوب مباشرة، حديثاً يخاطب أهل القلوب ولا يفهمه إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. يقول رضي الله عنه وأرضاه: قال الناس للرسول عليه الصلاة والسلام: {يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب -ثم استطرد عليه الصلاة والسلام قائلاً- يجمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، فيأتيهم تبارك وتعالى، فيقول لهم: من كان يعبد شيئاً فليتبعه -وهذا في العرصات- فمن كان يعبد الشمس اتبع الشمس، ومن كان يعبد القمر اتبع القمر، ومن كان يعبد الطواغيت اتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فيأتيهم ربهم -وفي صحيح مسلم : على صورته تبارك وتعالى- فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيوضع الصراط -نسأل الله السلامة والعافية- ويقف الملائكة بجنبة الصراط فلا يتكلم أحد إلا الأنبياء والرسل، يرددون: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: وعلى جنبتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان، قال: ألا تعرفون شوك السعدان، قالوا: بلى يا رسول الله! -وفي صحيح مسلم : كأنك رعيت الغنم يا رسول الله! يوم عرفت شوك السعدان، قال: نعم، وما من نبي إلا رعى الغنم- قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم عظمها إلا الله الواحد القهار، فتتخطف الناس فناج مسلَّم -يسلم من شوك السعدان الكلاليب- فذلك الذي لا خوف عليه -نسأل الله العافية- ورجل مخدوش منها ثم يسلم، ورجل مكردس على وجهه في النار- ولا تزال أصوات الأنبياء تردد: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم- فيأمر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الملائكة أن تخرج من النار من كان يعبد الله لا يشرك به شيئاً، فيخرجون وقد امتحشوا -أحرقوا وصهروا -وهم موحدون لله، ولا يخرج من النار مشرك أبداً- وقد أكلتهم النار إلا مواضع السجود، فإن الله حرم على النار أن تأكل موضع السجود لفضل السجود، فيخرجون وقد امتحشوا كالحِبة - بالكسر- في حميل السيل، تخرج صفراء ملتوية، فيغمسون في نهر الحياة، ثم يدخلون الجنة -وفي الصحيح: على جباههم، أسماء هؤلاء الجهنميون عتقاء الله من النار } ثم أخذ عليه الصلاة والسلام ينتقل إلى حديث الرجل الذي أضحك الله تبارك وتعالى، يقول الأعرابي: لا نعدم من رب يضحك خيراً، هذا الرجل هو آخر من يدخل الجنة من أهل النار، يخرجه سُبحَانَهُ وَتَعَالى من النار فيقف ووجهه مقابل للنار، فيقول: {يا رب! اصرف وجهي عن النار فقد أحرقني ذكاؤها وقشبني ريحها، فيقول الله له: يا ابن آدم! هل عسيت إن صرفت وجهك عن النار أن تسأل غير ذلك؟ قال: لا وعزتك وجلالك لا أسأل غير ذلك، فيصرف الله وجهه عن النار قبل الجنة } نسأل الله الجنة.