اقتنعتُ تماماً بأن أي منخفض جوي يحدث في الأردن يعتبر موسماً دسماً لشعب لا يستطيع العيش دون أن يشكو هموماً تزن جبالاً، وإذ أنه أصبح مُعتاداً على ذلك، فقد أصبح يشكو حتى وإن لم يكن هناك سببٌ لها.
ركبت سيارة “التاكسي” في صباح أحد أيام المنخفض الجوي، أو كما أسماه التلفزيون الأردني “العاصفة الثلجية المرتقبة”، فالضجة التي يُسمَح للتلفزيون الأردني بإثارتها هي فقط المنخفضات الجوية و “العواصف الثلجية” بخبر يُكتَب باللون الأحمر بعد كلمة “عاجل”..
ما علينا، ركبت التاكسي في ذلك اليوم وكالعادة كان السائق يستمع إلى أحد برامج “الشكوَنة على الهواء”، الأمر الذي يقلب صباحي الفيروزي إلى صباحٍ بظلام حالك، اضطررت إلى الإستماع لجميع المكالمات التي ترد لهذا البرنامج، وقد أحصيتها سبع مكالمات منذ ركوبي حتى نزولي، أولهم قال: “يا سيدي مافي حليب في البلد ومقطوعين”، وآخر “يا سيدي الله يستر عليك مش لاقيين حليب”، وتلك “يا أخي جوزي لف عمّان كلها ومش لاقي حليب، لاقيلنا حل”، وأبو السعيد قال: “يا سيدي الحليب خلص من السوبر”، وآخر من أذكر اتصاله قال: “نحن نناشد وزير الصحة أن يجد حلا لمشكلة الحليب قبل أن تغلق الطرق بسبب المنخفض الجوي”.
حمدتُ ربي أنّ رحلتي انتهت وأني نزلت من السيارة، ولكن الشكاوى التي سمعتها كانت لا تزال ترنّ في رأسي، حليب حليب حليب.. هل سيموتون دون حليب ليومين؟
ذهبتُ فوراً إلى بقالة وجدتها في وجهي، وسألت عن الحليب، فأجاب البائع فورا: “أيوا يا بيه، كم كيلو بدك؟”.. أجبته بأني قد أعود لاحقاً ثم ذهبت إلى “سوبرماركت” قريب وسألته عن الحليب فأشار بيده إلى أحد الرفوف، ذهبت ووجدت الحليب.
خلاصة زياراتي السابقة كانت أن بعض محال المواد التموينية أو “الدكاكين” يبيعون الحليب بزيادة “10 قروش” للكيلو، ولم أجد الحليب “مقطوعاً” كما شكى الشاكون حتى في المؤسسة الإستهلاكية.
إذن فالأمر واضح، الحليب متوفر في كل مكان ولكن بزيادة 10 قروش، وهنا نستطيع استيعاب سبب الإتصالات تلك.
أمرٌ آخر، إذا كان منخفض جوي يستمر ليومين أو ثلاثة تسبّبَ في “شكوَنة” هؤلاء المواطنين خوفاً من انقطاعه نهائيا، كيف ستكون ردة فعلهم إن تعرضنا “لا سمح الله” لحرب؟ هل نبقى في بيوتنا بعظامنا الهشّة نرتجف خوفاً ونموت من الذعر؟ أم نبقى نُعوّل على رجال الأمن العام والجيش لحماية الأردن ونغادر عبر مختلف الحدود؟ باستثناء الحدود مع العراق طبعا.. وأشيرُ هنا إلى حالات الفَزَع التي أصابت المواطنين عام 1990 عندما قام صدّام بغزو الكويت، صُدِمت حين عَلِمتُ أن المواد الغذائية نفدت من الأسواق الأردنية جميعها، وأنّ احتياطات من الدرجة الأولى تم اتخاذها آنذاك لدرجة لم نشهدها عندما عشنا فترة الحرب في الكويت.
بالرجوع إلى الحليب، يبدو جلياً أن نصف الشعب الأردني ليس مفطوماً بعد.. “إنفطموا خلصونا وبكفي شَكوَنة”.
أسامة الرمح