تعتبر القوة جوهر الصراع ويعتقد الكثير أن القوة مفتاح الأمن والسلام, وقد يتجه عدد من الدول والزعماء والمفكرين إلى استحسان "نظرية توازن الرعب" التي استطاعت أن تمنع قيام حروب كثيرة قبل اعتلاء الولايات المتحدة صهوة القوة أبان حرب الخليج الثانية1991, حيث انتهجت إستراتيجية الحروب الاستباقية تحت يافطة "الحرب العالمية على الإرهابGWOT"[1], أن اعتلاء صهوة القوة العسكرية كلف الولايات المتحدة كثيرا , ويمكن أن نشبه الولايات المتحدة بعربة تمثلها الشركات القابضة العملاقة(النفط , السلاح, المرتزقة, المعلومات,الإعلام....الخ) ويجرها حصانين:-
*الأول التبشير الديني المتشدد الذي يمنح الشرعية المقنعة لإذكاء الحروب والنزاعات وحشد الرأي العام خلف تلك الحروب.
*الثاني القدرة العسكرية وجنرالات الحرب وتجار المرتزقة .
وتستند هذه العربة على دواليب الإعلام والقوة الناعمة لتحقق أهدافها الإستراتيجية وفتح أسواق متعددة في العالم[2] وما يتبعها من دوافع ومتطلبات الاحتراب والنزعات والحروب, ولعل ابرز عناصرها في دائرة النار هم البشر والشعوب والمجتمعات والثروات, وبالتأكيد تخلف الفوضى والدمار والقتل كما حصل في العراق وأفغانستان والبلقان والصومال الخ, وتشير فلسفة الصراع إلى ضرورة حشد القوة وكافة الموارد المتاحة والمكتسبة مع الاقتصاد بالجهد (السياسية, الاقتصادية,الحربية,الإعلامية, الاجتماعية,الإيديولوجية..الخ) , والتي يفترض أنها تعصف في مسرح الصراع ومحاوره المختلفة, لتحقيق التفوق في الحرب أو تحقيق النصر وإدامة إرادة الصراع, باختيار أي من المسلكين أو المعادلتين (المعادلة الصفرية-المعادلة اللاصفرية) وهذا يخضع بالطبع إلى آلية الصراع , وحجم ونوع القدرات , والموارد المتيسرة وعامل الوقت لطرفي الصراع.
حقائق الخسائر الأمريكية بالأرقام
أثبتت حرب العراق حقائق رقمية لا تقبل الشك وثقتها مصادر امريكية مختلفة[3] بالرغم من وخصوصا إذا استعرضنا حجم الخسائر الأمريكية ,حيث شارك أكثر من 1,600,000 مليون جندي أمريكي تعاقب على القتال في العراق, وطبقا للتقديرات التراكمية أن العراق خضع لخمس حروب كبرى خلال الست سنوات الماضية , وتعاقب جنرالات وضباط وجنود مختلفين وكما يلي:-
1. سرح (751000الف) جندي بحلول كانون الأول ديسمبر2007 [4]
2. خرج منهم أكثر من( 200000 ألف) رجل وامرأة معطوبين جسديا.
3. أكثر من( 264000الف) جندي عولجوا في المرافق الطبية الخاصة بالجنود المسرحين لحالات شتى وطلبوا رعاية صحية كان 38% منهم أي (100282الف جندي) خضعوا لفحص طبي واثبت وجود حالات عطب نفسي جندي يعالجون لأسباب تتعلق بالصحة النفسية[5]
4. ما يقارب (52000الف ) جندي ثبت بالتشخيص تعرضهم لاضطرابات الضغط العصبي عقب الصدمة(PTSD)[6]
5. هناك (185000الف) جندي ينتظرون المشورة وخدمات إعادة التكيف في مراكز قدامى الحرب
6. بلغ العدد الإجمالي للدعاوي القضائية التي تخص التعويض (600000الف) دعوى وتتوقع مصلحة شؤون الجنود المسرحين سيصل عدد الدعاوي إلى (1,600000مليون ) دعوى في غضون السنتين القادمتين وهذا التقدير كان في أواخر عام 2007
7. بلغ عدد الجرحى من الجنود الأمريكيين حتى عام 2007 أكثر من (110000 ألف) جريح - (65000 ألف) منهم إصابات متوسطة وشديدة غير قاتلة- ( 14000 ألف) منهم إصابات خطرة قاتلة - (35000) ألف منهم إصابات أخرى[7]
8. إضافة إلى أن أعداد القتلى الذي يقارب (50000 ألف) عسكري أمريكي بعيدا عن الإحصائيات الرسمية لوزارة الدفاع[8] ولكن في مقاربة حسابية ما أعلنه جنرالات الحرب الامريكين مؤخرا عن حجم عمليات المقاومة والتي بلغت ( 1000ألف) عملية أسبوعيا حتى وقت قريب[9].
تتبع وزارة الدفاع الأمريكية سياسة "سد الثغرات في الصفوف" والتي تجيز للمؤسسة العسكرية أن ترفض السماح للمجند أن يترك صفوف القوات المسلحة حتى وان انتهت مدة التعاقد معه, وفي عام 2005 وقد اجبر أكثر من 150 ألف جندي البقاء في صفوف القوات المسلحة بعد انتهاء فترة تطوعهم , كما أن تعاظم الخسائر البشرية وفقدان حالة الاستعداد القتالي لدى عدد كبير من الجنود قد خلف حالات الانتحار المتكررة[10] والعزوف عن التطوع للجيش الأمريكي, وكذلك الإرهاق والإعياء للقوات المنتشرة في العراق وأفغانستان, ومن البديهي تحتاج القوات المسلحة الأمريكية إلى عشرات السنين لاستعادة القوات المسلحة الأمريكية المنهكة قدراتها القتالية قبل الحرب, وكذلك استبدال الأسلحة المستهلكة بأخرى جديدة وتصليح وترميم المعدات التي أرجئت صيانتها بسب الاكلاف والعمليات الحربية , ويعاني الجيش الأمريكي حاليا نقصا بالرتب الحرفية وذوي الخبرة (نقيب) ويقدر معدل النقص ما يقارب (3000الف) ضابط ,لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية قدرتها العسكرية كقطب صلب أوحد في العالم, حيث استخدمت احتياطها الاستراتيجي ونشرت ما يقارب 40- 50% من قوات الاحتياط وأفواج الحرس الوطني من أمريكا إلى العراق مما يسبب شواغر لسد أعمال الأمن الوطني خصوصا إذا علمنا أن هناك أكثر من 200 عصابة جريمة تشكلت في ولايات أمريكا تمارس القتل والسرقة وأعمال إجرامية أخرى يكتم عليها الإعلام الأمريكي ناهيك عن أعمال الإغاثة والكوارث الطبيعية , وكذلك شحن المعدات الثقيلة المخصصة إلى العراق مما يسبب نقص واضح ويشكل خطر كبير في حالة تعرض الولايات المتحدة للكوارث طبيعية أو أي تهديد حربي خارجي.
الانهيار الاقتصادي
بات الانهيار الاقتصادي في أمريكا والعالم يلقي بظلاله على مرافق الحياة المختلفة ومنها الحربية في ظل أزمة اقتصادية خانقة وحادة الأولى من نوعها تعصف في العالم والولايات المتحدة, حيث بلغ الدين القومي ما يزيد على تسعة ترليون دولار, ناهيك عن الفوائد المترتبة عليها وشكل الأنفاق في الحرب ضد العراق مايقارب80% ويعتقد هوا لذي خلف أزمات اقتصادية خانقة مختلفة في أمريكا أبرزها[11]:-
الرهن العقاري, الأسهم المالية, أسعار النفط, اكلاف الحرب, العجز المتزايد في الميزانية والمديونية الكبيرة , الفوائد المتراكمة, أثار التغذية الارتجاعية, انكماش التنمية, انكماش العرض وترجع الطلب, فقدان الوظائف والبطالة , الاكلاف البشرية والمالية من جراء الحروب, العمليات الحربية المستقبلية, نفقات الجنود المسرحين والرعاية الطبية, الاكلاف الاجتماعية..الخ. كما وأشار تقرير صدر من "وحدة الاستخبارات الاقتصادية البريطانية" يحذر من مضاعفات الأزمة الاقتصادية والتي ستخلف مشاكل اجتماعية واضطرابات أمنية في (95) دولة اغلبها تعصف بها الأزمة الاقتصادية, ناهيك عن الآثار المايكرو-اقتصادية على العالم وأمريكا من جراء الحرب على العراق وبلغت أرقام فلكية نتيجة الإنفاق المتعاظم في الحرب حيث بلغت ما يقارب ثلاثة تريليونات دولار[12] ,
حقائق ميدانية تخالف الدعاية السياسية والإعلامية
بعيدا عن العواطف ومن اجل تسمية الأشياء بمسمياتها وفق مفاهيم الربح والخسارة والكلفة والمردود , وبعيدا عن المحظورات الأمريكية السياسية والإعلامية على السياسيين والإعلاميين العراقيين وفروض الخطوط الحمر عن ذكر دور المقاومة العراقية في أخراج القدرة العسكرية الأمريكية, وفرض واقع محاولة التشويه وتنميطها بالإرهاب, وفقا معايير التوصيف والتعاطي السياسي والإعلامي الأمريكي, نذكر بعض الحقائق الميدانية التي أشارت أليها التقارير الطبية عن حالات الإصابة لدى الجنود الأمريكيين في العراق[13] من جراء العمليات الحربية ,إذ تشير إلى إصابات جنود الاحتلال إلى –جروح شظايا القذائف,الانفجارات, قذائف مدفعية,قنابل هاون, نيران بنادق, إضافة إلى انقلاب الشاحنات وإصابات التدريب وما يسمى النيران الصديقة والتي خلفت الأعداد من القتلى والجرحى الوارد ذكرهم أعلاه , وكما ورد في التقارير الطبية الرسمية والتي خلفت بنفس الوقت حالات الإعاقة للجنود ,انجراحات الدماغ والعمود الفقري, فقدان البصر,بتر الأعضاء,تشوه الوجه,كسور العظام, تضرر الأعصاب,تضرر القلب وأعضاء الجسم الداخلية,الانهيارات العصبية..الخ , هذه حقائق رقمية مرعبة لصانع القرار السياسي والعسكري الأمريكي يمكن توصيفه تراجع القدرة العسكرية الأمريكية وتردي جاهزية قواتها المسلحة بما فيه تراجع جاهزية أكثر من عشرين سلاح في القوات المسلحة الأمريكية, يفترض أن يعترف جنرالات الحرب الأمريكيين بشجاعة سوء ما ذهبوا أليه ويقيموا الموقف بشكل صحيح والركون إلى منطق العقل , ولقد تمكن البنتاغون من المناورة والمراوغة بغية تخفيف الأعباء بتغير بوصلة الصراع من العسكري إلى السياسي ألشبحي وفق فلسفة الإلهاء المجتمعي عبر طقوس الانتخابات وصراعات السلطة والمناصب , والتي تسعى إلى تفتيت الجسد العراقي وانشغاله بحروب أهلية مختلفة عبر وسائل القدرة المكتسبة والأدوات السياسية ويبعد شبح الاستهداف العسكري عن قواتها ونجح نسبيا بذلك بتعاون إقليمي واضح, وقد يشرعن بقاء قوات الاحتلال في العراق حسب المخطط الاستراتيجي الساعي لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات والتي تبدو ملامحه واضحة للعيان عبر الخط البياني للأحداث الجارية.
[1] "الحرب العالمية على الإرهاب GWOT" هو مصطلح تستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون, لوصف الحملات العسكرية العالمية تحت ذريعة محاربة الإرهاب وتشمل هذه الحرب[1]: – عملية الحرية الدائمة OEF غزو أفغانستان:- وهو الاسم الرمزي الكود الذي يطلق على العمليات العسكرية الحربية في أفغانستان والعمليات المضادة على البلدان الأخرى بالمنطقة, عملية الحرية للعراق OIFغزو العراق :- وهو الاسم الرمزي الكود الذي يطلق على الحرب ضد العراق-غزو العراق لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية وما تتبعه من عمليات حربية بعد الاحتلال لمواجهة المقاومة العراقية ويفترض أنها لفرض الأمن وإعادة الأعمار اللذان لم يتحققا لحد الآن, عملية النسر النبيلONE:- وهو الاسم الرمزي الكود الذي يطلق على المهام والعمليات التي تهدف إلى تعزيز امن وسلامة القواعد العسكرية الأمريكية.
[2] . أنشأت الشركات القابضة(المال-السلاح-المعلومات-النفط-المرتزقة-السيارات-المعدات-الاعلام-مراكز الدراسات ومعاهد الفكر) في الولايات المتحدة بيئة تستهلك منتجاتها المختلفة, وعند المرور بأزمات اقتصادية كبرى ولعل الركود أبرزها تتجه لتأسيس وإنشاء بيئة أخرى مشابهة من خلال الحروب وإذكاء النزاعات وشن الغزوات بإطار سياسي ذو منحى ديني متشدد وبجهد عسكري جبار.
[3] . مصلحة الأبحاث في الكونغرس(CRS),مصلحة شؤون الجنود المسرحين( (VA ,هيئة مساءلة الحكومة الأمريكية(GAO),وزارة الدفاع الأمريكية (DOD),قانون حرية الوصول إلى المعلوماتhttp;siadapp.dmdc.osd.mil personnel ,
[4] .department of veterans affairs ,VA benefits Activity; veterans Deployed to the Global War on Terror(حتى شهر تموز/يوليو2007 كان720000الف جندي قد سرحوا من الخدمة تقدم منهم 202000الف جندي بطلبات للحصول على تقديمات الإعاقة..
[5] . حسب تصريح العميد البحري المتقاعد"باتريك و . ديون السكرتير المساعد لشؤون السياسة والتخطيط في مصلحة شؤون الجنود المسرحين إمام لجنة قدامى المحاربين في مجلس الشيوخ بالكونغرس الامريكي بتاريخ 17-10-2007
[6] . شهادة الدكتورة "اير كاتز" نائبة المسئول الأول عن خدمات رعاية المرضى –قسم الصحة النفسية في الإدارة الصحية للجنود المسرحين أمام لجنة شؤون قدامى المحاربين في مجلس النواب بتاريخ 25تموز2007,وتصريح "غوردون انغلند" نائب وزير الدفاع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ولجنة شؤون المحاربين القدامى في مجلس النواب بتاريخ 12 نيسان2007
[7] . إحصائيات مختلفة – مكتب العلاقات العامة- مصلحة شؤون الجنود المسرحين- دراسة ورقة الحقيقة, موقع وزارة الدفاع على شبكة الانترنيت-رسالة دكتوراه غير منشوره بعنوان "ضحايا الحوادث في صفوف الجيش التي يمكن عزوها إلى حرب العراق" المقدمة إلى في ايلول2007 إلى المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية وكلية كندي لعلوم الحكم,جون هورتون.
[8] . يحتفظ البنتاغون بطقمين اثنين من الدفاتر:الأول هو قائمة الإصابات الرسمية التي تجدها في موقع وزارة الدفاع على شبكة الانترنت والثاني هو مجموعة بيانات من غير السهل العثور عليها وهي متوافرة فقط في موقع مختلف على الشبكة ولا يمكن الحصول عليها إلا بمقتضى قانون حرية الوصول إلى المعلومات(FOIA) وتظهر تلك البيانات إن مجموع عدد الجنود الذين جرحوا أو أصيبوا بإمراض يبلغ ضعف عدد الجنود المصابين في المعارك. انظر.جوزيف ستيغلتز&ليندابيلمز, حرب الثلاثة تريليونات دولار,دار الكتاب العربي, بيروت لبنان,ط1. 2009,ص46.
[9] . د.مهند العزاوي ,العراق وسط العاصفة, أيلول 2009
[10] كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن ان 2009 كان "سنة قاسية" سجل فيها رقم قياسي في حالات الانتحار بين عناصر سلاح البر الأميركي وصل الى 160 انتحارا. ولم يتم نشر معلومات عن أعداد المنتحرين في سلاح الجو والبحرية والمارينز , وكان مسؤولون في سلاح البر حذروا من ان عدد عمليات الانتحار قد يتخطى رقم العام 2008 الذي وصل الى 140، مشيرين الى ان أسباب هذه الظاهرة تبقى غامضة.
[11] انظر.جوزيف ستيغلتز&ليندابيلمز, حرب الثلاثة ترليونات- اكلاف الحرب لا تدفعها الحكومة ص133.
[12] . المصدر نفسه, ص23.