هل لديك عاهة تحاول إخفاءها ؟!
إنها ممتعة ومفيدة … ذلك هو انطباعي عن قصة (الأحول) لأستاذي (عبد الله عيسى السلامة) الأديب والشاعر السوري المبدع… قصة فيها الكثير من الفائدة
حول التعايش مع الإعاقات والعاهات
التي قد يجد المرء نفسه مبتلىً بها منذ طفولته أو في أيّ مرحلة بعدها …
وعليه فقد قررت أن أنقل لكم بعض هذه الفوائد …
مضيفاً إليها ما تعلمته من تجاربي الخاصة … وما أطّلعت عليه من مصادر شتى …
في قصة (الأحول) يصور لنا المؤلف شاباً ذكياً مجتهداً اسمه (رامي) يعاني منذ صغره من مشكلة الحول في إحدى عينيه …
وقد سببت له هذه العاهة إيذاءً كبيراً من زملائه الطّلاب عندما كان صغيراً…
حيث كانوا ينفرون منه ويخافونه أويستهزؤن به …
و لمّا كبر وأصبح طالباً جامعياً متفوقاً … لم يعد يسمع الإهانة والسخرية بأذنيه … غير أنه كان يراها بعيون كل زملائه …
ويشعر بها في أعماقه عند كل موقف مهما صغر أو كبر …!
لكن رامي لم ينتبه يوماً واحداً
إلى أن أكثر من نصف زملائه … لديهم عاهات أو إعاقات أو تشوهات بسيطة
تشغل كل واحد منهم عن النظر إلى عاهات الآخرين !
وقد اكتشف هذا فقط ..عندما استمع إلى محاضرة دكتور علم النفس في الجامعة
وهو يشرح عن هذه القضية …
حيث استعرض الكثير من نماذج الإعاقات…
و لاحظ رامي أن الكثير من زملائه بدا عليهم التوتر والحرج من صفات تبدو أقل سوءاً من الحول… مثل الصلع.. والطول البائن.. والقصر الشائن.. أو ضخامة الأنف والأذنين لدى بعضهم..
وكذلك فإن رامي لم يظنّ من قبل
أن العرج.. والصرع.. أسوأ من الحول..
ويسبب الكثير من المتاعب لصاحبه …! واكتشف فجأة مشاكل الثأثأة والحُبسة في الصوت واللدغة في بعض الحروف …!
ولم يشعر من قبل بشعور ضعيفي السمع والبصر وغير ذلك الكثير الكثير … !!
لقد كان يرى نفسه منفرداً بالبلاء … !
ولا يحسب الناس إلا مشغولين بعيبه دون عيوبهم … وعاهته دون عاهاتهم !!
وكان هذا هو الدرس الأول الذي ينبغي أن يتعلمه رامي وكل صاحب عاهة …
من أهله إن كان صغيراً … أو بنفسه إن كان كبيراً …
أما الدرس الثاني …
فهو أن يفهم صاحب النقص والعاهة أن هناك أشياء كثرة جداً تخفي عيبه الجسدي أو تغطي عليه أمام الناس بل وحتى أمام نفسه المنشغلة بمصيبته …!
فالإنجازات الجميلة تغطي دائماً على الكثير من جوانب النقص … وذلك مثل التفوق الرياضي بأشكاله الكثيرة … واتساع المعرفة والثقافة … والخلق الدمث واللباقة في التعامل مع الآخرين … والدعابة والمرح … وكذلك التفوق في التخصص والشهادات العلمية العالية … والإبداع الفني في الغناء والتلحين والتمثيل والتصوير … إلخ …
ومثل ذلك الإبداع الأدبي والشعري والخطابي … والنجاح الإقتصادي في التجارة والصناعة وغيرها …
كل ذلك يخطف الأبصار ويذهب بها بعيداً عن كل نقص جسدي …!
ولقد شاءت إرادة الله تعالى أن يكون النقص الجسدي مفجراً للطاقات لدى الكثير من العظماء
مثل بيتهوفن الموسيقي البارز والأصم الأشهر في التاريخ… و سقراط الفيلسوف والحكيم العظيم بخلقته الدميمة … وكذلك عشرات الشعراء والأدباء والفنانين من فاقدي البصر ..مثل المعرّي وبشار وطه حسين وسيد مكّاوي …
ولا تزال وسائل الإعلام تطلع علينا في كل يوم… بنماذج مبدعة لأشخاص فجّرت فيهم العاهات إبداعاتٍ أذهلت الناس الأسوياء …!
أما الدرس الثالث.. والأكثر أهميه من سابقيه فهو أن يعلم الإنسان يقيناً أن هذا النقص إنما هو امتحان رباني … جعله الله له باباً واسعاً من أبواب الأجر الكبير .. عند الصبر والرضى بالقضاء … وأنه ما ابتلاه إلا ليرفع درجاته ويكرمه في الآخرة … ولنتذكر فقط الحديث القدسي الذي يقول فيه عزّ وجل ( إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه – عينيه – فصبر … لم أجد له جزاءاً إلا الجنّة )
كان هذا بعض ما كنت أرغب أن أضعه بين أيديكم … لكن تمنعني خشية الإطالة أن أسترسل فيه …
ولعلي أعود إلى ذلك في موضوع قادم … ونسيت أن أخبركم أن رامي ..قد أصبح يرى عاهته نعمة !
ولم يعد يجتهد في محاولة إخفائها عن الناس بعد أن حاول ذلك سنوات طويلة!