التغير المفاجئ في المناخ
إن تدهور درجات الحرارة بمقدار ست درجات مئوية (سيليزية) والجفاف المفاجئ الذي يحرق
الأراضي الزراعية في أنحاء شتى من الكرة الأرضية ليسا مجرد مادة لأفلام الرعب. فمثل هذه
التغيرات المناخية المثيرة حدثت من قبل، وفي بعض الأحيان دامت عدة سنوات.
<B.R. ألي>
في فيلم الإثارة «يوم ما بعد غد» الذي أنتجته هوليوود، تجتاح العالم على حين غرة كارثة مناخية بحجم العصر الجليدي. يهرب ملايين السكان من أمريكا الشمالية إلى المكسيك المشمسة، في حين تتربص الذئاب بالقلة الباقية من الناس الرابضين في مدينة نيويورك التي ضربها جو جاف متجمد. كما تدمر الأعاصير القمعية ولاية كاليفورنيا، وتدك حبات البَرَد العملاقة مدينة طوكيو.
هل يمكن أن تحدث قريبا تغيرات مناخية ساحقة مفاجئة، أم إن استوديوهات فوكس بالغت كثيرا في فيلمها؟ يبدو أن الإجابة عن كلا السؤالين هي نعم. فمعظم الخبراء يتفقون على أنه ما من داع للخوف من حدوث عصر جليدي مكتمل في العقود القادمة. إلا أن تغيرات مناخية كبيرة مفاجئة قد حصلت فعلا عدة مرات في الماضي، ويمكن أن تحدث مرة أخرى. وفي الواقع، ربما يكون حدوثها أمرا لا مناص منه.
ولا مناص أيضا من مواجهة التحديات التي يمكن أن تسببها هذه التغيرات للبشرية. فموجات غير متوقعة من الدفء يمكن أن تجعل بعض المناطق (من الكرة الأرضية) أكثر ملاءمة للعيش، لكنها قد تسبب ظروفا جوية حارقة في مناطق أخرى. كذلك يمكن لفترات مناخية قصيرة باردة أن تجعل فصول الشتاء قارسة تجمد الأطراف وتسد بالجليد المسارات الملاحية الرئيسية. ويمكن أن تحوِّل فترات الجفاف الشديد الأراضي الخصبة إلى أراض جرداء غير صالحة للزراعة. وستكون هذه العواقب قاسية الوقع على البشر، لأن التغيرات المناخية المفاجئة غالبا ما تدوم قرونا عديدة أو حتى آلاف السنين. وفي الواقع فإن انهيار بعض المجتمعات الغابرة، صار يعزى الآن بشكل رئيسي إلى التغيرات السريعة للمناخ، بعد أن كان يُعزى سابقا إلى عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية.
إن شبح التغير المفاجئ للمناخ اجتذب أبحاثا علمية جادة لأكثر من عقد من الزمن، لكنه لم يستأثر باهتمام صانعي الأفلام والاقتصاديين وصانعي السياسات إلا حديثا. وهذا الاهتمام الزائد في الموضوع، رافقه الارتباك المتزايد حول العوامل التي تفعّل مثل هذا التغير وحول نتائجه. وقد يعتبر المراقب العادي أن التغيرات السريعة للمناخ تقلل من آثار الاحترار العالمي الذي يسببه الإنسان، لكن هناك دليلا على أن هذا الاحترار حري أن يبعث القلق أكثر من أي وقت مضى؛ فمن الممكن أن يدفع مناخ الكرة الأرضية إلى تغيرات سريعة مفاجئة.
تقلب المناخ بين الدفء والبرودة(**)
لم يكن للعلماء أن يقيّموا قدرة المناخ على التقلب من حالة إلى أخرى مختلفة كليا لولا عينات الجليد اللبية المجتزأة من الصفحة الجليدية الهائلة في گرينلاند في بداية التسعينات من القرن الماضي. إن هذه الأعمدة الهائلة من الجليد التي يبلغ طولها نحو ثلاثة كيلومترات ـ دَفنت في طبقاتها مجموعة واضحة جدا من السجلات المناخية تغطي ال 000 110سنة الماضية. فالباحثون يستطيعون تمييز طبقات سنوية في هذه العينات اللبية الجليدية، وتأريخها باستعمال طرائق متعددة؛ إذ يكشف تركيب الجليد نفسه عن درجة الحرارة التي تَشكَّل عندها.
لقد كشفت مثل هذه الدراسات عن تاريخ طويل من التقلبات الكبيرة للمناخ ـ فترات تجمّد شديدة وطويلة تتناوب مع فترات دفء قصيرة، حيث تعرضت مناطق گرينلاند الوسطى إلى فترات باردة خاطفة انخفضت فيها درجة الحرارة بمقدار ست درجات مئوية خلال بضع سنوات فقط. في المقابل فإن تسخينها خلال عقد واحد يساوي تقريبا نصف التسخين الذي حصل منذ ذروة العصر الجليدي الأخير ـ أي أكثر من 10 درجات مئوية. إن تلك القفزة (في درجة الحرارة) التي حدثت قبل نحو 11500 سنة، تعادل اكتساب مدينة مينياپوليس أو مدينة موسكو الظروف المناخية الحارة والرطبة نسبيا، لمدينة أتلانتا أو مدينة مدريد.
لم تُظهر العينات اللبية الجليدية ما حدث في گرينلاند فقط، لكنها أيضا أشارت إلى الوضع في سائر أنحاء العالم. كان العلماء قد وضعوا فرضية أن تسخين المناطق الشمالية من الأرض بمقدار 10 درجات مئوية هو جزء من حقبة تسخين شملت حزاما واسعا من نصف الكرة الشمالي، وأن هذه الحقبة زادت من هطل الأمطار في تلك المنطقة وفي مناطق أخرى. ففي گرينلاند نفسها، أظهر سُمْك طبقات الجليد السنوية أن تساقط الثلج قد تضاعف فعلا في سنة واحدة. كما أكد تحليل فقاعات الهواء القديمة المحبوسة في الجليد التنبؤ القائل بزيادة سقوط الأمطار في مناطق أخرى. وبشكل خاص دلت قياسات الميثان المحبوس في الفقاعات على أن غاز المستنقعات هذا كان يدخل الجو بسرعة أكبر بخمسين في المئة من سرعته السابقة خلال فترة التسخين الشديد. ومن المرجح أن الميثان قد دخل الجو عند انغمار المستنقعات بالماء في المناطق المدارية وذوبان الجليد في المناطق الشمالية.
وقد قدمت العينات اللبية أيضا دليلا ساعد العلماء على إضافة تفصيلات أخرى حول البيئة في الأزمنة المختلفة. فعلى سبيل المثال أشارت طبقات الجليد التي حَبَست غبارا من قارة آسيا إلى مصدر الرياح السائدة في تلك الأزمنة. واستنتج الباحثون أن الرياح كانت حتما أقل شدة أثناء الأزمنة الدافئة، لأن تراكم الملح البحري والرماد المنقول بالرياح من براكين بعيدة كان قليلا في الجليد. وهناك أدلة أخرى كثيرة [انظر: «الألباب الجليدية في گرينلاند: بقيت متجمدة مع الزمن»،مجلة العلوم، العدد 12، ص 18].
لقد ظهرت فترات دفء شديد مفاجئة أكثر من 20 مرة في سجلات جليد گرينلاند. فخلال عدة مئات أو آلاف السنين بعد بدء حقبة دفء نموذجية رجع المناخ إلى فترة تبريد بطيء تبعتها فترة تبريد سريع خلال زمن لا يتجاوز القرن. ثم تكرر النمط مستهلا بفترة تسخين أخرى ربما استغرقت عدة سنوات فقط. وفي حالات البرد الشديد القصوى، شَرَدت الجبال الجليدية جنوبا حتى شواطئ البرتغال. ولربما سببت تحدياتٌ أقل من ذلك رحيل قوم الڤايكنگ من گرينلاند خلال فترة البرد القصيرة الأخيرة، التي سميت بالعصر الجليدي الصغير والتي بدأت نحو 1400 بعد الميلاد واستمرت 500 عام.
كما ظهرت التقلبات الحادة للمناطق الشمالية بين التسخين والتبريد على نحو مختلف في مناطق أخرى من العالم، رغم احتمال كون العوامل المسببة لها هي ذاتها. فالأزمنة الباردة المطيرة في گرينلاند تلازمت مع أحوال شديدة البرودة وجافة وعاصفة في أوروبا وشمال أمريكا؛ وتلازمت أيضا مع طقس دافئ على نحو غير معتاد في جنوب المحيط الأطلسي والقارة المتجمدة الجنوبية. وقد جمع الباحثون هذه التواريخ من أدلة إضافية وجدوها في مجلدات الجبال العالية، ومن سُمْك حلقات النمو في الأشجار tree rings، ومن أنواع حبوب اللقاح والأصداف المحفوظة في الطين القديم في قيعان البحيرات والمحيطات ومن مصادر أخرى.
وأظهرت الأدلة أيضا أن التغيرات المفاجئة في هطل الأمطار شكلت تحديات تعادل تلك المتعلقة بتذبذبات درجات الحرارة. فالأزمنة الباردة في الشمال جلبت، بطبيعة الحال، الجفاف للصحراء الإفريقية والهند. فقبل نحو 5000 سنة حوَّل جفاف مفاجئ الصحراء الكبرى الإفريقية من مروج خضراء مرصعة بالبحيرات إلى الصحراء الرملية الحارقة التي هي عليها اليوم. ويبدو أن قرنين من الجفاف قبل نحو 1100 عام، أسهما في انقراض حضارة المايا القديمة في المكسيك ومناطق أخرى من أمريكا الوسطى. وفي عصرنا الحديث أثرت ظاهرة النينيو(1) وظواهر غير معتادة أخرى في شمال المحيط الهادئ في أنماط الطقس إلى درجة إطلاق فترات جفاف مفاجئة، مثل تلك التي سببت فترة الجفاف والتّحات المعروفة باسم «قصعة الغبار» في الولايات المتحدة في الثلاثينات من القرن الماضي.
نقطة اللاعودة(***)
سواء كانت فترات دافئة أو فترات قصيرة باردة أو جفافا مديدا فإن تغيرات المناخ المفاجئة في الماضي جميعها حصلت لنفس السبب. ففي جميع الحالات دفع تغير تدريجي في درجة الحرارة (أو أي ظاهرة فيزيائية أخرى) عاملا أساسيا مفعلا للمناخ نحو عتبة غير منظورة (غير متوقعة). وعند نقطة تخطي تلك العتبة، انقلب العامل المفعل، والمناخ أيضا، إلى حالة جديدة مختلفة وبقي فيها، عادة، ردحا طويلا من الزمن [انظر الإطار في الصفحة 62].
نظرة إجمالية/ مفاجآت محتملة(****)
• تتركز معظم الجهود البحثية ومناقشات خطة مواجهة تغير المناخ حول احترار الأرض. غير أن هناك مشكلة أخرى تلوح في الأفق، وهي أن الانقلاب المناخي المفاجئ الذي سبق حدوثه سيحدث حتما في المستقبل.
• يمكن مثلا أن يحدث جفاف إقليمي في أحد فصول الصيف ويستمر لعدة عقود، مهلكا الأراضي الزراعية الخصبة عبر آسيا وشمال أمريكا؛ كما يمكن أن تتبدل أنماط الطقس في أوروبا خلال بضع سنوات فقط، وهذا يجعل مناخ تلك المناطق مثل مناخ سيبيريا.
• لا يستطيع العلماء حتى الآن التنبؤ بوقت حدوث هذه التغيرات المفاجئة، غير أن معظم خبراء المناخ يحذرون من أن احترار الكرة الأرضية والأنشطة البشرية يقومان بدفع العالم بسرعة نحو تغيرات مناخية مفاجئة تستمر مدة طويلة.
ويشبه تخطي عتبة المناخ انقلاب كَنْو canoe (زورق خفيف طويل ضيق). فإذا كنت جالسا في كَنْو ببحيرة ورحت تميل تدريجيا نحو أحد جانبيه، فإن الكنو سيميل أيضا. إنك تدفع الكنو إلى عتبة؛ أي الوضع الذي لا يمكن للكنو بعده أن يظل قائما upright، فلو ملت قليلا بعدها انقلب الكنو.
إن تخطي العتبة الحرجة للمناخ قد سبب أقسى التقلبات المناخية في التاريخ ـ وهو يشير إلى أمور تثير قلقا خاصا بالنسبة إلى المستقبل. فعلى سبيل المثال، لتفسير الفترات الجليدية القصيرة المسجلة في العينات اللبية الجليدية المأخوذة من گرينلاند، يشير معظم العلماء إلى السلوك المتغير للتيارات المائية في شمال الأطلسي ـ تلك التيارات التي تعتبر عاملا مسيطرا في أنماط الطقس البعيدة المدى في تلك المنطقة.
هذا الاحترار حري ببعث القلق أكثر من أي وقت مضى؛
إذ يمكنه أن يدفع مناخ الكرة الأرضية إلى تغيرات سريعة مفاجئة.
فالمناطق الشرقية من أمريكا الشمالية وأوروبا تنعم بدرجات حرارة معتدلة (كما في الفترة الحالية ـ أي الشهر 11)، عندما تنساب شمالا مياه الأطلسي المالحة، التي سخنتها شمس نصف الكرة الجنوبي، عبر خط الاستواء. وخلال فصول الشتاء في المناطق الأبعد شمالا تصبح المياه المالحة القادمة من الجنوب أبرد وأثقل على نحو يجعلها تغوص إلى الشرق وإلى الغرب من گرينلاند، ثم ترتحل جنوبا على امتداد قاع المحيط. وعندما تغوص المياه الباردة إلى الأعماق، تنساب تيارات دافئة من الجنوب شمالا لتحل محلها. وبذلك تحرك المياه الغائصة ما يسمى دوران الحزام الناقل(2) (أو دوران التيار الناقل) الذي يسخن الشمال ويبرد الجنوب.
تضم العينات اللبية الجليدية دليلا على حدوث فترات باردة بعد أن انخفضت ملوحة شمال الأطلسي، وربما كان ذلك بسبب تفجر مياه البحيرات العذبة من خلال جُدُر المجلدات وأخذها طريقها إلى مياه المحيط. وقد حدد العلماء اندفاع المياه العذبة هذا كأول مرحلة من تخطي عتبة حرجة للمناخ، لأنهم يعرفون أن تخفيض ملوحة مياه شمال الأطلسي يمكن أن يبطئ دوران التيار الناقل أو يوقفه، ومن ثم يغير المناخ.
توطئة من الماضي؟(*****)
تركت التقلبات المفاجئة للمناخ بصماتها على تاريخ الأرض لدهور طويلة. فالعينات اللبية الجليدية من گرينلاند، مثلا، أظهرت أن تقلبات جامحة في درجات الحرارة (في اليسار، في الأعلى) قد قاطعت الاحترار التدريجي الذي أخرج كوكبنا من العصر الجليدي الأخير قبل نحو 000 18 سنة. كما سجلت الأصداف الأحفورية في الرواسب القاعية للبحيرات في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، فترات جفاف شديد ومفاجئ (في اليسار، في الأسفل)؛ إذ إن نسبة ذات دلالة تشخيصية، هي نسبة نظائر الأكسجين في الأصداف، ترتفع بشدة عندما يكون تبخر الماء من البحيرة أكبر من المطر الهاطل عليها. وكثيرا ما عانت المجتمعات البشرية بسبب هذه التقلبات السريعة، كما تظهر الصورتان أدناه.
إحدى مستوطنات الڤايكنگ في گرينلاند، غدت اليوم خرابا، بسبب فترة البرد الشديد المفاجئ التي تدعى العصر الجليدي الصغير.
إله المطر عند قبائل المايا Maya (التمثال في مقدمة الصورة). يبدو أنه لم يكن نِدًّا للجفاف الذي يعتبر الآن سبب انهيار حضارة المايا قبل نحو 1100 عام.
وعندما يجري تخفيف تركيز ماء المحيط القادم من الجنوب بالمياه المنصرفة من اليابسة، فإنه (ماء المحيط) يصبح أقل ملوحة وأقل كثافة، ربما إلى درجة تجعله يتجمد على شكل جليد بحري قبل تمكنه من الغوص إلى الأعماق. ومع توقف غوص المياه وتوقف دوران التيار الناقل، لا يمكن حمل المطر والثلج المتساقطين في الشمال إلى أعماق المحيط ونقلهما بعيدا. وبدلا من ذلك، يتراكم المطر والثلج فوق سطح البحر ويخفضان من ملوحة مياه شمال الأطلسي أكثر فأكثر. يتوقف عندئذ دوران التيار الناقل، جاعلا مناخ القارات القريبة شبيها بمناخ سيبيريا [انظر الإطار في الصفحة 63].
الدفء القارس(******)
لقد مضى ثمانية آلاف عام على حدوث آخر فترات البرد الكبرى في شمال الأطلسي. هل يمكن أن يكون ميلان البشر هو بالفعل في الاتجاه الصحيح لتجنب انقلاب زورق المناخ؟ ربما؛ غير أن معظم خبراء المناخ يعتقدون أننا، على العكس من ذلك، نهزهز الزورق بتغيير مظاهر كثيرة من عالمنا بسرعة كبيرة. إن الأمر المقلق بشكل خاص هو ازدياد تراكيز غازات الدفيئة التي يطلقها البشر في الجو، والتي تعزز الاحترار العالمي [انظر: «احترار الكرة الأرضية قنبلة موقوتة يمكن، بل ويجب، إبطال مفعولها»، مجلة العلوم، العددان 8/9 (2004) ، ص 4].
لقد تنبأ الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، الذي أنشأته هيئة الأمم المتحدة، بأن معدل درجة حرارة الأرض سوف يرتفع ما بين 1.5 و 4.5 درجة مئوية خلال المئة سنة القادمة. كما يتنبأ كثير من النماذج الحاسوبية التي تدعم هذا التقدير بتباطؤ دوران التيار الناقل في شمال الأطلسي. (وعلى عكس المنتظر، فإن هذا الاحترار التدريجي للأرض يمكن أن يقود إلى تبريد مفاجئ يبلغ عدة درجات مئوية). ومع وجود الشكوك الكثيرة، ورغم الاعتقاد بأن حدوث عصر جليدي جديد غير وارد، فإن التغيرات الناتجة يمكن أن تكون أكبر بكثير من تلك التي حصلت خلال العصر الجليدي الصغير، عندما تجمد نهر التيمز في لندن، وهوت المجلدات من أعالي جبال الألب.
تخطي عتبة استقرار المناخ(*******)
يغير احترار الأرض الأحوال المناخية السائدة شيئا فشيئا. وحتى هذا التغير البطيء المستمر يمكنه دفع محفزات المناخ مثل التيارات المحيطية الراسخة أو أنماط هطل الأمطار، إلى نقطة حرجة يتحول المناخ عندها إلى حالة جديدة مختلفة. وذلك التغير يجلب معه تغيرا في المناخ مصحوبا به بعواقب تتحدى البشرية ومجتمعاتها. وحالما يتخطى المحفز المناخي ما يسمى بعتبته، فإن التغيرات المناخية الناتجة يمكن أن تدوم آلاف السنين. إن العديد من هذه العتبات مازال غير معروف، وتنتظر من يميط اللثام عنها، ونورد هنا ثلاث عتبات حددها العلماء:
وثمة أمر آخر قد يثير قلقا أكبر مما تثيره الفترات الباردة في المناطق الشمالية، ألا وهو الآثار السيئة المتزامنة معها والتي قد تصيب مناطق أخرى من العالم. فسجلات المناخ لمناطق واسعة من إفريقيا وآسيا، التي تستفيد عادة من فصل من الأمطار الموسمية الغزيرة، تشير إلى أن هذه المناطق كانت جافة على نحو خاص عندما كانت منطقة شمال الأطلسي أبرد من اليابسة المحيطة بها. وحتى التبريد الناتج من تباطؤ التيار الناقل قد يكفي لإحداث الجفاف. ولما كانت بلايين من البشر تعتمد على الأمطار الموسمية لسقاية المحاصيل فإن حصول جفاف واحد محدود يمكن أن يسبب مجاعة واسعة الانتشار.
إن عواقب تبريد مياه شمال الأطلسي وتخفيف ملوحتها يمكن أن يجعلا حياة البشر أكثر صعوبة، حتى أولئك الذين يقطنون خارج مناطق البرد والجفاف الشديد. وقد دفع الشعور بالقلق من مثل هذه التأثيرات الواسعة وزارة الدفاع الأمريكية إلى طلب تشكيل فريق خبراء مستشارين سمي «شبكة الأعمال العالمية»(3)، وذلك لتقدير التأثيرات الممكنة في الأمن القومي نتيجة توقفٍ كاملٍ للتيار الناقل في شمال الأطلسي. ويعتقد كثير من العلماء (وأنا منهم) أن حدوث تباطؤ، وليس توقفا كليا، في التيار الناقل هو أكثر احتمالا. وفي كلتا الحالتين فإن خطورة النتائج الممكنة تؤكد ضرورة أن نأخذ في اعتبارنا أسوأ الاحتمالين. وحسبما يذكر تقرير شبكة الأعمال العالمية «يمكن أن يزداد التوتر في أنحاء العالم... فالأمم التي لديها الموارد يمكن أن تبني أسوارا (قلاعا) على حدودها لتحتفظ بالموارد لنفسها. أما الدول الأقل حظا فقد تثير صراعات للوصول إلى الغذاء والماء النظيف والطاقة.»
فيضانات وفترات جفاف(********)
وحتى لو لن يحدث أبدا تباطؤ في التيار الناقل في شمال الأطلسي فإن احترار الأرض يمكن أن يسبب تخطيا مقلقا لعتبة المناخ الحرجة في أمكنة أخرى من العالم. فأحزمة زراعة الحبوب التي تمتد داخل عدد كبير من القارات الواقعة على خطوط العرض المتوسطة تواجه خطرا إقليميا من جفاف مديد. فمعظم النماذج الحاسوبية للمناخ تظهر جفافا صيفيا أكبر من هذه المناطق عند ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض، بغض النظر عما يحدث في شمال الأطلسي. وكذلك تقترح هذه النماذج أن الاحترار الناجم عن الاحتباس الحراري سيزيد هطل الأمطار عموما، ربما على شكل عواصف رعدية شديدة وفيضانات جارفة. لكن هذه الظواهر، مع أهميتها بحد ذاتها، لا يتوقع أن تعوض عن فترات الجفاف.
الذوبان تمهيدا لفترة برد خاطفة(*********)
مع استمرار الاحترار العالمي في تسخين كوكب الأرض يخشى كثير من العلماء أن الدفعات الكبيرة المفاجئة من المياه العذبة الذائبة من الغطاء الجليدي في گرينلاند، ومن الكتل الأرضية المتجمدة الأخرى في المناطق الشمالية قد تعيق ما يسمى دوران التيار الناقل للماء في شمال الأطلسي، وهي منظومة التيارات المائية التي تجلب الدفء إلى أوروبا والتي لها تأثير كبير في المناخ في مناطق أخرى من العالم. فتوقف دوران التيار الناقل ـ أو حتى حدوث تباطؤ كبير فيه ـ يمكن أن يزيد من برودة منطقة شمال الأطلسي، حتى لو استمرت درجات حرارة الأرض في الارتفاع. ومن شبه المؤكد أن تنتج من ذلك تغيرات مناخية مفاجئة شديدة.
التيار الناقل يعمل
تيارات بحرية مالحة (بالأحمر) تنساب شمالا من المناطق المدارية، فتدفئ الرياح السائدة (الأسهم الكبيرة) التي تهب شرقا باتجاه أوروبا. وتصبح التيارات الكثيفة الحاملة للحرارة أكثر كثافة بفقدانها الحرارة في الجو. وفي النهاية تصبح المياه المالحة كافية لتغوص إلى الأعماق بالقرب من گرينلاند. ومن ثم تهاجر جنوبا على امتداد قاع البحر (اللون الأزرق) تاركة فراغا يجذب ماء دافئا إضافيا من الجنوب ليحل مكانه.
المناخ الناتج
عندما يكون التيار الناقل ناشطا، تمكن أحوال المناخ المعتدلة ذات الشتاء الدافئ نسبيا من إنتاج زراعي غني في معظم أوروبا وأمريكا الشمالية. وتغذي الأمطار الموسمية فصول الزراعة في مناطق شاسعة من إفريقيا والشرق الأقصى. وتكون آسيا الوسطى مطيرة وتكون القارة المتجمدة الجنوبية وجنوب الأطلسي باردين عادة.
التيار الناقل متوقف
إذا دخلت كميات من المياه العذبة إلى شمال الأطلسي أكبر مما يجب، فإنها تخفف تركيز التيارات المالحة القادمة من الجنوب. ولا تعود مياه سطح البحر السطحية كثيفة بما فيه الكفاية لتغوص إلى الأعماق، مهما بلغت برودتها، ويتوقف التيار الناقل أو يتباطأ. في هذه الحالة تحمل الرياح السائدة هواء شديد البرودة شرقا (الأسهم الكبيرة). ويمكن أن تستمر نزعة البرد هذه عدة عقود ـ حتى تصبح مياه الجنوب مالحة لدرجة تطغى فيها على المياه العذبة في الشمال، فتبدأ بتحريك التيار الناقل من جديد باندفاع هائل.
المناخ الناتج
فيما يهدأ التيار الناقل تصبح فصول الشتاء في معظم أوروبا وأمريكا الشمالية أشد قسوة، وتتضرّر الزراعة. وتعاني هذه المناطق والمناطق التي تعتمد عادة على الأمطار الموسمية من الجفاف الذي يتفاقم أحيانا بسبب الرياح الشديدة؛ فيصبح وسط آسيا أكثر جفافا، كما يصبح كثير من المناطق في نصف الكرة الجنوبي أدفأ من المعتاد.
ويمكن للتخفيف الصيفي أن يفاقم فترة جفاف معتدلة ويجعلها تدوم عدة عقود أو أكثر. ويحدث ذلك التحول بسبب هشاشة مناطق زراعة الحبوب وعدم مناعتها؛ إذ إنها تعتمد أساسا على مياه المطر، التي تقوم النباتات المحلية بإعادة تدويرها، أكثر مما تعتمد على الماء الجديد المحمول من أمكنة أخرى. فجذور النباتات تمتص عادة الماء الذي كان سيغوص في الأرض ويذهب إلى الجداول ويصب في البحر؛ بعدها يعود بعض ذلك الماء إلى الجو بالتبخر من أوراق النباتات. ولكن عندما تبدأ المنطقة بمعاناة فصول صيف أشد جفافا، تذبل النباتات وربما تموت، وبالتالي تعيد إلى الجو ماء أقل. ويتم عبور العتبة الحرجة عندما يتقلص تعداد النباتات إلى درجة أن يصبح الماء المعاد تدويره أقل من أن يستطيع دعم حياة النباتات. عند تلك النقطة تموت نباتات أكثر وتقل الأمطار أكثر ـ في دورة خبيثة، مثل تلك التي أحالت منطقة الصحراء الكبرى الإفريقية إلى صحراء قاحلة منذ 5000 سنة. ولم تُظهر المنطقة أي علامة للاخضرار منذ ذلك التاريخ.
تنبؤات خادعة(**********)
لم تصدر قط تنبؤات ذات مصداقية عن تغيرات مفاجئة للمناخ، ولا يتوقع ذلك في المستقبل القريب، لأن التغيرات السريعة (للمناخ)، بطبيعتها، يصعب التنبؤ بها أكثر من التنبؤ باحترار الأرض أو بالتغيرات التدريجية الأخرى.
وهناك عقبة رئيسية تتعلق بطبيعة التغير المفاجئ. فالتغير السريع يحدث عندما تدفع قوة بطيئة ومستديمة، مثل احترار الأرض، أحد المكونات الحرجة لمنظومة المناخ إلى ما بعد نقطة اللاعودة. فيطلق تخطي تلك العتبة تحولا مفاجئا إلى حالة جديدة ـ تماما كما يُلقي بك في البحيرة ميلانك المتمادي في زورق الكَنْو. ولكن معرفة الحد الذي تستطيع إمالة الزورق إليه بدون أن ينقلب هو أمر شبه مستحيل، وبخاصة إذا كانت الرياح والأمواج تهز القارب أيضا. وبالمثل، فإنه من الصعب جدا تعرّف متى يقترب أحد مظاهر المناخ من عتبته الحرجة.
وقد حاول العلماء، من خلال النمذجة الحاسوبية، تفهم العوامل المناخية المؤثرة بالقرب من نقطة الانقلاب tripping point. وكشفت جهودهم عن الكثير من العوامل التي تهز زورق المناخ، غير أن الشكوك مازالت كثيرة. وللتحقق من مدى دقة نماذجهم الحاسوبية في التنبؤ بتغير المناخ، يراجع العلماء عملهم للتأكد من حسن محاكاة برامجهم للتغيرات الفعلية التي حصلت من الماضي. ويتوافق كثير من النماذج الحاسوبية مع الأشكال الرئيسية للتغيرات المناخية السابقة على نحو جيد ـ أي إنها تعيد على نحو موثوق، تصوير فترات البرد أو الجفاف أو الطوفانات في المواقع والأزمنة نفسها التي سبق أن سجلتها طبقات الجليد السنوية وسجلتها الرسوبيات؛ حتى إن بعض هذه النماذج تفلح في محاكاة التغيرات في مسارات العواصف، وأنماط الرياح، والهطل الفصلي للأمطار، وغيرها من التفاصيل الدقيقة للمناخ.
ولكن حتى لو مثلت هذه النماذج الطبيعة العامة لتغير المناخ تمثيلا صحيحا، فإنها لا تمثل مظاهر مناخية أخرى مهمة على نحو كامل. فقد كانت تغيرات المناخ المفاجئة الماضية أكبر وأوسع انتشارا مما دلت عليه النماذج. فمعظم النماذج، على سبيل المثال، قدرت كميات الماء المفقودة فوق الصحراء الإفريقية خلال آلاف السنين القليلة الماضية بأقل مما هي عليه فعلا. كذلك يبدو أن النماذج الحاسوبية تجد صعوبة في محاكاة فترة الدفء الكبير في المناطق القطبية خلال عهد الدينوصوريات، والبرد الشديد عند ذروة أحدث عصر جليدي.
ويمكن أن يكون أبسط سبب لهذه الاختلافات هو أن النماذج عادة أقل حساسية من المناخ نفسه، وربما سبب ذلك أنها تسقط من حساباتها تغذيات مرتدة واستجابات مهمة. كما أن عتبات المناخ الحرجة التي لم يأخذها أحد بالحسبان بعد، يمكن أن تفسر الاختلافات. وسيكون مفيدا بلا شك تحديد هذه العتبات، ولو أن ذلك قد يكشف النقاب عن المزيد من الانقلابات المناخية. وفي الوجه المشرق من الموضوع، يمكن أن توضح الاكتشافات الجديدة أن احتمال حدوث تغير مناخي مفاجئ هو، بالفعل، أقل مما يعتقد العلماء، أو أن تغيرا ما قد يوازن ويمحو أثر تغير آخر.
عملية التوازن: تخضع الأرض عادة إلى مناخ معين لآلاف السنين أو أكثر. ثم في لحظة ما، يكاد يستحيل التنبؤ بها، يميل أحد مظاهر منظومة المناخ كثيرا نحو أحد الجوانب، فتنقلب ظروف المناخ العالمي إلى حالة مختلفة كليا.
ويخشى العلماء من عدم قدرتهم بعد على تحديد الكثير من عتبات المناخ الحرجة التي يقود تخطيها إلى تغيرات في المناخات الإقليمية. وفجوة «عدم المعرفة» هذه مقلقة، لأنه من الممكن قيام الناس بممارسات عديدة من شأنها الإخلال بتوازن المناخ على نحو سنندم عليه. فالرقص في كَنْو غيرُ مرغوب فيه عادة، ومع ذلك فإننا نرقص؛ فنحن نحول الغابات إلى أراض زراعية تزيد من كمية أشعة الشمس التي تعكسها الأرض؛ ونضخ المياه من جوف الأرض، وذلك يغير كمية الماء التي تحملها الأنهار إلى المحيطات؛ ونغير كميات الغازات النزرة والجسيمات الصغيرة العالقة في الجو، وذلك يغير خصائص الغيوم وهطل الأمطار وغيرهما.
مواجهة المستقبل(***********)
يمكن احتواء العواقب السلبية لتغير رئيسي في المناخ إذا حصل التغير تدريجيا أو كان متوقعا؛ فيستطيع المزارعون الذين يتوقعون جفافًا حَفْرَ الآبار، أو تعلُّمَ زراعة محاصيل أقلَّ اعتمادا على الماء، أو ببساطة تقليل خسائرهم والنزوح إلى مكان آخر. لكن تغيرا غير متوقع في المناخ يمكن أن يكون مدمرا. فسنة جفاف مفاجئة واحدة يمكن أن تفلس أو تجوِّع في البداية المزارعين الهامشيين، لكن الضرر يزداد سوءا باستمرار الجفاف ـ وبخاصة إن لم يكن بالإمكان التحضير له. ومن سوء الحظ أن مقدرة العلماء ضئيلة في التنبؤ عن زمن حدوث تغير المناخ المفاجئ وطبيعته [انظر الإطار في الصفحة المقابلة].
ورغم العواقب الهائلة الممكنة لتحول مناخي مفاجئ، فإن معظم الأبحاث وتحديد السياسات قد عُنيت بالتحولات التدريجية للمناخ ـ وعلى الأخص الدعوة إلى تقليل انبعاثات الكربون كسبيل إلى إبطاء الارتفاع التدريجي لحرارة الأرض. وعلى الرغم من أن مثل هذه التخفيضات ربما تساعد على الحد من عدم استقرار المناخ، فإنه يجب التفكير أيضا في تجنب التغيرات المفاجئة تحديدا. وأمامنا خياران؛ فيمكن أن نقرر تجاهل الموضوع كليا ونأمل أن لا شيء سيحدث أو أن باستطاعتنا التعامل مع كل ما يحدث؛ فإبقاء الأمور على ما هي عليه سَبّب غرق سفينة «التايتانيك»، إلا أن كثيرا من السفن غير المجهزة جيدا عبرت شمال الأطلسي بدون أذى. وفي المقابل يمكننا بجدية تغيير سلوكنا بحيث نبقي التأثيرات البشرية في المناخ على قدر من الصغر يكفي لجعل التغير الكارثي للمناخ أقل احتمالا. ولا شك أن الحد من تسخين الأرض هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن المزيد من الدراسات لعتبات المناخ الحرجة ولمواطن ضعفها بالنسبة إلى النشاطات البشرية يمكن أن تكشف عن إجراءات مفيدة أخرى.
وهناك استراتيجية ثالثة لمعالجة هذا الموضوع وهي أن تزيد المجتمعات البشرية مقدرتها على التعامل مع تغير مفاجئ للمناخ قبل أن تنزل بنا المفاجأة التالية، كما اقترح تقرير المجلس الوطني للأبحاث في الولايات المتحدة U.S National Research Council. ويشير واضعو التقرير إلى أن بعض المجتمعات الغابرة تأقلمت استجابة للتغير المناخي في حين انهارت مجتمعات أخرى. فمستوطنو الڤايكنگ في گرينلاند هجروا مستوطناتهم المتهاوية عندما جعل بدء العصر الجليدي الصغير طريقة حياتهم هامشية أو غير ممكنة، في حين نجا جيرانهم إسكيمو الثول(4). ومن المفيد فهم الفرق بين التجاوب مع الكارثة والانهيار بفعلها. فخطط التخفيف من الصعوبات وقت الأزمات يمكن أن تتم بتكلفة قليلة أو بدون تكلفة على الإطلاق. فتستطيع المجتمعات مثلا زرع الأشجار في الوقت الحاضر للمساعدة على تثبيت التربة في فصل الجفاف العاصف المقبل، ويمكنهم أن يتفقوا من الآن على كيفية توزيع الموارد المائية فيما بينهم قبل أن تشح.
يبدو أن البشر يدفعون بعض عناصر المناخ أكثر فأكثر
نحو عتبات حرجة قد تطلق تغيرات مفاجئة من عقالها.
حاليا، يبدو في الغالب أن البشر يهزهزون زورق المناخ، دافعين بعض عناصره قريبا من العتبات الحرجة التي يمكن أن تطلق تغيرات مفاجئة من عقالها. ومثل هذه الأحداث لن تجلب عصرا جليديا جديدا ولن تضاهي الخيالات الخصبة لكتاب السينما (الشاشة الفضية)، لكنها يمكن أن تشكل تحديات صعبة للبشر والكائنات الحية الأخرى على الكرة الأرضية. ومن المجدي جدا النظر في كيف يمكن لهذه المجتمعات أن تزيد من قدرتها على التكيف لمواجهة العواقب المحتملة لتغير مفاجئ للمناخ ـ أو حتى في كيفية تجنب انقلاب زورق المناخ أصلا.
المؤلف
Richard B. Alley
هو أستاذ علوم الأرض في ولاية پنسلڤانيا، وعضو مشارك في مركز علوم منظومة الأرض في تلك الجامعة. وقد تركزت أعمال <ألي>، منذ حصوله على الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ويسكونسن بمدينة ماديسون عام 1987، على فهم كيفية احتفاظ المَجْلدات (الأنهار الجليدية) والصفحات (الأغطية) الجليدية بسجلات تغير المناخ، وكيف يؤثر تدفقها في مستوى سطح البحر، وكيف أنها تُحتُّ الرسوبيات وترسبّها. وقضى<ألي> ثلاثة فصول دراسية حقلية في القارة المتجمدة الجنوبية وخمسة فصول في گرينلاند. وخلال زياراته تلك أسهم في أخذ العديد من العينات اللبية الجليدية المهمة التي تظهر تاريخ مناخ الأرض خلال 110000 سنة الماضية. وفي عام 2001 حاز< ألي> جائزة «فاي بيتا كاپا» الوطنية للعلوم على كتابه غير التقني «آلة الميلين الزمنية» التي تفصِّل النتائج التي تم الحصول عليها من عينة لبية جليدية من گرينلاند طولها ميلان.