قبل أن تقع الكارثة !
فوجئت يوماً بأنباء متواترة تصلني عن موظف يعمل عندي ... تحمل عنه أفعالاً لا تسرّ الخاطر !
فتريّثت حتى تيقّنت من ذلك ... مع الأسف !
وهنا وجدت نفسي أمام خيارين ؛
إما أن أصرفه بأي سبب كان ... ولن أعدم الأسباب !
فقد كنت قد عاتبته أكثر من مرة على تقصيره في عمله ... وذلك قبل أن أعرف عنه ما عرفت ...
أما الخيار الآخر فهو أن أصارحه بما سمعت عنه وأن أنصحه أن يتوب لله عز وجل ويعود عن ذنبه ...
ولا أكتمكم أن الشيطان حبّب إليّ الخيار الأول على أساس أنه الأسهل والأبعد عن (وجع الرأس ) !
لكنني قررت أن أنصحه وأتحمّّل النتائج لأن الدين النصيحة كما علمنا رسول الله ...
وبالفعل جلست مع ذلك الشاب
ومما قلته له : إنني كان بإمكاني أن أصرفك لأسباب مقبولة بعيداً عن ما وصلني من أخبارك ... لكنني وحرصاً مني على مصلحتك أحببت أن أفاتحك بكذا وكذا ...
واستمع الشاب إليّ طويلاً ... وأطرق رأسه إلى الأرض ... ثم بعد أن فرغت من كلامي قال بصوت متحشرج : لقد صدقت يا أبا حسان في كل ما ذكرته ... وإنني أشعر الآن أنني أحترمك أكثر من أي وقت مضى وأقدّر لك حرصك على مصلحتي ... وأعدك أن أقلع تماماً عن كل هذه الأخطاء ...
وهكذا شعرت أن عبئاً كبيراً قد انزاح عن صدري ... وأنني قد قمت بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أراده الله تعالى مني ...
في الحقيقة؛
إن من أسوأ ما علمتنا إياه حياتنا المعاصرة هو السلبية المطلقة وترك المبادرة إلى نصح الآخرين أو تقويمهم عند الأخطاء..... ونحن نتذرع لذلك التقصير بألف سبب وسبب ... متناسين أن النصيحة هي الدين !
وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بل فرض أمرنا به القرآن الكريم والرسول عليه السلام ...
كل واحد فينا يتذكر كلمة أو كلمات ...سمعها ذات يوم فغيرت الكثير من سلوكه ... بل إنّ نصف سلوكياتنا تعلمناها من أفواه الموجهين آباءاً وأمهات ومعلمين ومربين ...
والباقي تعلمناه بالتجربة الشخصية ... فلماذا نيأس بعد ذلك من أثر النصيحة والكلمة الطيبة على غيرنا ؟!!
يحبّ بعض المجرّبين أن يشبّهوا الناس بكأس من الشاي المرّ ..الذي يحتوي في قاعه على كمّية من السكر ... ويقولون : إنك إن ذقت ذلك الكأس وجدته مرّاً ... لكنك إن أمسكت ملعقة صغيرة وحرّكت بها السكّر أصبح الشاي حلواً لذيذاً !!
وهكذا فالكثير من الناس يملكون في داخلهم فطرة رائعة وأشواقاً عظيمة إلى التغيير والهداية ... لكنهم ينتظرون من يحرّك فيهم هذه النوازع الجميلة ... بكلمة طيبة أو نصيحة مخلصة فإذا هم يستجيبون ويتبدلون بأسرع مما نتوقع !
وفي كل يوم ينضم إلى قافلة الإسلام ركاب جدد ممن اعتنقوا الإسلام في كل بلاد الدنيا ... وما ذلك إلا بكلمة دافئة أو كتاب رشيق أو موقف مؤثر ...
وفي كل يوم يتوب آلاف من الناس فيلتزمون بالصلاة بعد هجرها ... ويلتزمن الحجاب بعد السفور... ويقلعون عن معاصي طال عليهم أمدها ...
كل ذلك ببركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهو الذي جعله بعض العلماء ركناً سادساً من أركان الإسلام وهو لعمري حريّ بأن يكون كذلك لأهميته القصوى في التغيير
قال لي أحد أصدقائي يوماً : أتذكر يوم نهيتني عن المعصية الفلانية ؟ فقلت : والله لا أذكر ! فقال : أما أنا فلا أنسى ذلك اليوم لأنه اليوم الذي أقلعت فيه عن معصيتي تلك بفضل الله ثم بنصيحتك !
والحمد لله أولاً وأخيراً
تذكروا أيها القراء أن العصاة والمخطئين يجدون اليوم الكثير من المشجعين على المعصية ... والمجاملين على الإنحراف ... ويجدون إعلاماً ضخماً يجعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً ...!
لكنهم لا يجدون إلا القليل القليل من الناصحين المرشدين للمعروف والمحذرين من المنكر ... فكيف نتوقع منهم الإقلاع عن أخطائهم بينما نحن في سلبيتنا قابعون ...!
و الفساد بأنواعه يزداد انتشارا وطغيانا كل يوم
حتى أصبحنا نقلق على ابنائنا وبناتنا
بل على أنفسنا!
إننا أمام طريقين لا ثالث لهما ؛
إما أن نبدأ التغيير.. وأقلّه...
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
وإما أن يغرقنا طوفان الانحراف والرذائل والفساد ... لا سمح الله !
ملاحظة؛للأمانة العنوان ليس من عندي بل هو من صديق قرأ هذه العبارة مكتوبة على جدار أحد الحمامات العامة كالتالي:
(نصيحة: تفقّد الماء قبل ان تقع الكارثة!!)