لم أتوقّع خروجه باكراً في ذلك الصباح ، خصوصاً في يوم عطلة رسمية تستغلها الناس عادة في النوم أو في النوم، لم يلمحني في البداية ، كان مشغولاً بتنظيف مجرى الباب الخارجي من بقايا الطين والرمل الناعم..تأكد من سهولة اغلاق الباب أكثر من مرّة ، ثم صفق بكفيه ليزيل ما علق بها من تراب رطب..ليس عندي طريق بديل لأسلكه.. بيته مثل القضاء نسير اليه بأرجلنا مجبرين..قال "صبّحت مستعجل عالكذب"؟؟ اقعد هسع بصير الشاي"..ثم فرش لي كيس خيش وأجلسني : احضر أبريق شاي تفوح منه رائحة القرفة..ثم عاد وطرح سؤاله ألأول:" صرت مشتري جريدة ..مستعجل عالكذب"!! قلت له: انها مصدر من مصادر التنوير والمعرفة اليومية أنها كالخبز..تشترى صباحاً..وتقرأ ساخنة..وقبل أن يناولني ردّه المجّهز مسبقاً..
فجأة سمعت صرير البوابة التي نجلس خارجها..ظهر طفل صغير بحجم "ولاّعة السجائر" وبعرض قلم رصاص..قفز فوق قدم أبيه ، ثم أمسك بطرف ثوبه كمن يتسلّق حبلاً مشدوداً إلى أعلى..بعدها وصل الى ركبة "ابي يحيى" تعباً لاهثاً..تعلّق بأزرار الثوب ، زرّاً بعد زر، ثم امتطى كتف والده كما يفعل أقزام القصص الخرافية..سمعت صوتا ضعيفاً بعيداً يقول:
- بدّك اشي يابا من السوق؟!
فرد أبو يحيى:- سلامتك يابا..بس دير بالك من الجرادين والبساس!!..
نزل الولد "عقلة الاصبع" بحذر عن كتف ابيه ،تعلق في جيبة الثوب العليا ثم نزل الى بطنه، فركبته، ثم نزل الى قدمه، و ركض كما تركض الفئران وتوارى بين العشب والحشيش!!!
ارتعدت من خرافية المشهد وحرّكت شفتي المرتجفتين سائلا:
- بسم الله الرحمن الرحيم - مين هاظ "جن" يابو يحيى؟
- أبو يحيى:- لأ هاظ ابني "عقله" آخر العنقود!!
- أنا:- وماله "ممسوخ" و"ممعي" هيك؟!
- أبو يحيى:- يا رجل! اذا كان بترولنا شحدة، وميّتنا قرضه، ورواتبنا مساعدات، أي مليح اذا بنقدر نخلّف مثل هالأشكال...