إعرف شخصيتك من إسم جارك.!
هل تعرف نفسك جيداً صديقي القارئ.؟
هل أنت أنانيّ أم محبّ للآخرين؟
هل أنت غضوب أم حليم؟
وهل أنت لبق مهذّب أم ثقيل الظلّ؟
هل أنت متأكدّ من أن معلوماتك عن نفسك صحيحة ومتجردة؟!
لعل من أكثر العناوين جاذبيةً للقارئ… تلك العناوين التي تقول "اعرف شخصيتك من كذا أو كذا"…
رغم اعتقادي أنها من أكثر العناوين افتقاراً للمصداقية! فكثيراً ما تصلني رسائل تقول: اعرف شخصيتك من أول حرف من اسمك.!!
وكأن والديك قد وصلهما مع خروجك إلى الدنيا كتابٌ يشرح مستقبلك ويكشف عن شخصيتك… فاختارا على أساسه اسمك وتحديداً الحرف الأول منه!!
وقرأت في أحد المنتديات موضوعاً يقول: قل لي ماذا تأكل أقول لك من أنت…!
وآخر هذه التقليعات رسالة تقول: اعرف شخصيتك من خلال فصيلة دمك.!!
ولعمري… كيف نستطيع أن نحشر شخصيات الناس المعقدة المتراكبة المتداخلة في بضعة زمرٍ من فصائل الدم لا تتجاوز العشرة؟!
وهل سنحكم على شخصٍ ما بالغباء لمجرد أنه يشترك مع "بوش" في زمرة الدم؟!
وماذا لو ثبت أن "أوباما" يحمل نفس فصيلة دم "كوندوليزا رايس" فهل سنصاب بخيبة أمل بعد أن تفاءلنا بخطابه العتيد..؟!
لكن السؤال المنبطح أرضاً يقول: هل نحتاج إلى مثل هذه الدراسات سواءً كانت جادّة أو مدّعاة لنعرف ذواتنا؟!
وفي الجواب.. أننا حقاً لا نعرف الكثير عن أنفسنا-يشمل ذلك كاتب هذه السطور - بل إن لدينا معلومات مقلوبة في كثير من الحالات عنها!
قابلت في حياتي كثيراً من سريعي الغضب حتى إنهم لا يحتملون أبسط المزاح، ومع ذلك فهم يحسبون أنهم أكثر حلماً من الأحنف بن قيس!
وعرفت آخرين معجبين بآرائهم وقناعاتهم إلى حد لا يحترمون معه الرأي الآخرأبداً ويهزؤون بالمخالفين بأقسى العبارات.. ومع ذلك فإنهم يرون أنفسهم ديمقراطيين إلى أبعد حد! حتى لو شهد كل من حولهم بعكس ذلك!
وكم رأيتم من ثرثار يستأثر بالمجالس فيثقل على المجتمعين بحديثه الفارغ… ويضيع وقتهم وهو يظن نفسه بليغ زمانه و(قسّ بن ساعدة) عصره!
فالمشكلة أننا كثيرا ما نرى أنفسنا كما نحب أن نكون وليس كما هو واقعها…
ثم إن شدة القرب حجابٌ كما يقولون…وإن الحياد مع الذات لأمرٌ صعب المنال لا يبلغه إلا الكمّل من الناس وما أقلهم..!
إنك لو حاولت رؤية جسدك فقط فلن تستطيع ذلك إلا بمرآةٍ.. فما بالك بنفسك التي هي أدقّ وأخفى..!
أرأيتم الآن لماذا نهتم بقراءة مثل هذه المواضيع وربما أجبنا على سلسلة من الأسئلة الطويلة التي تطرحها ووضعنا العلامات المفترضة وجمعناها حسب تعليمات الاستبيان!
كل ذلك من أجل أن نعرف أنفسنا بطريقة سهلة وبسيطة… ولكن دون جدوى حقيقية..
ثم إنك تجد في هذه المواضيع الكثير من المجاملات والكلام المهذب الذي يجعل من كل الناس مثاليين و"رومانسيين" أشبه بالملائكة! ونادراً ما تجد فيها الصفات السلبية مثل الأنانية والتسرّع والبخل والقسوة وغيرها… مع أن هذه الصفات تدخل في التركيب النفسي لمعظم الناس.. وقد تتطور إذا لم يتم التعامل معها بعناية إلى أن تصنع المجرمين على مستوى الأفراد.. وحتى قادة الدول الذين يوردون شعوبهم أسوأ الموارد!
ويبقى السؤال الأكبر والأهم.. ما هي السبيل إلى التعرف على دواخلنا وفهم ذواتنا بتجرّد وحياد؟!
دعونا نعود إلى حكاية المرآة… فكما أن المرآة تعرض لنا أجسادنا بشكل واضح ..فإن الآخرين من الأصدقاء والأقرباء المحبّين المنصفين..
هم أقدر منا على تعريفنا بأنفسنا والحكم على تصرفاتنا سلباً أو إيجاباً… وكما ورد في الأثر فإن "المؤمن مرآة أخيه"…
ولا تزال الحكماء وعلى رأسهم الفاروق " رضي الله عنه" يرفعون شعار " رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي"
فلا بد لمن أراد معرفة نفسه أن يراها بعيون الآخرين وحتى لو كانوا من غير المخلصين أو العقلاء.. فلا مانع من أن يدقق المرء النظر في اتهاماتهم حتى تثبت له البراءة منها..
ولا بدّ من مرآةٌ أخرى.. تسأل فيها نفسك هل لديّ العدد المناسب من الأصدقاء… أم أن الناس يفرون مني إلا أهل المصالح؟!
هل يحبني أهلي وأولادي وزوجتي بصدق.. أم أنهم يحترمونني بل ويخافونني ؟!
هل يثق الناس بي، لأماناتهم وأسرارهم…
وهل يستشيرونني في معضلاتهم؟.. هل يستنجدون بي لمساعدتهم دون حرج أو تردد؟ ..
وهل أجد في العادة الكثيرين حولي عندما أحتاج للمساعدة؟!
وأخيراً فكما تحرص على سماع رأي المخلصين.. احرص على تجاهل مديح المنافقين المجاملين بغير الحق.. فهم يزيّنون لك نفسك ويخدعونك عنها…وقد تصدّق ذلك وأنت تعرف منهم الكذ ب !…
ولتكرر الدعاء مع الصدّيق" رضي الله عنه"
( اللهم اجعلني خيراً مما يظنون.. ولا تؤاخذني بما يقولون.. واغفر لي ما لا يعلمون)
وعلى الإطالة سامحون!…