وادي الرُّمَة تأملات رقمية جغرافية
د. عبدالله المسند
:. يعد وادي الرمة من أهم الظواهر الجيومورفولوجية في هضبة نجد، كما يعتبر أكبر وأطول أودية الجزيرة العربية، ويقوم بتصريف سيول هضبة نجد المتبلورة (الواقعة فوق الدرع العربي) عبر شبكة كثيفة ومعقدة من الروافد والشعاب، وحوض وادي الرمة يقع معظمه في منطقة القصيم، بينما تقع أطرافه جنوب منطقة حائل، وشرق منطقة المدينة المنورة، وشمال غرب منطقة الرياض. ويمتد حوض وادي الرمة غرباً من حرات بركانية سوداء ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 1300م كحرة خيبر شرق منطقة المدينة المنورة، وينتهي الرمة شرقاً على أعتاب نفود الثويرات بالقرب من قرية البَنْدَرِيَّة جنوب الأسياح حيث محيره ومصبه وقيعانه وبذلك يبلغ طول الوادي 600 كم تقريباً.
:. ويشار إلى أن وادي الرمة قبل حوالي 10000 سنة وفي العصور المطيرة كان نهراً عظيماً يجري من شرق المدينة ويصب في شط العرب قريباً من جبل سنام عبر وادي الأجردي والباطن وبطول يصل إلى 1200 كم تقريباً، وبعد عصور الجفاف الطويلة والقاسية انفصلا وادي الأجردي والباطن عن وادي الرمة الأصل وأصبحا أودية مستقلة بسبب نشاط زحف وحركة رمال الثويرات والدهناء، والتي أدت إلى قطع مجرى الوادي إلى ثلاثة أجزاء: الرمة وهو الأطول والأكبر 600 كم، الأجردي وهو الأصغر 45 كم ويقع في هضبة التَيْسِيَّة، وأخيراً الباطن 450 كم. ويشار إلى أن وادي الرمة قديمأ وقبل أن تقطع الرمال طريقه قد بنى سهلاً فيضياً في الدبدبة شمال شرق السعودية.
:. ويبدأ حوض الرمة غرباً من حرة خيبر حيث تجتمع عشرات الأودية الصغيرة والمراوح الفيضية لتشكل أعالي مجرى الوادي ويكون اتجاه الرمة إلى الجنوب الشرقي حتى يتصل به رافد الجَرِير من الجنوب فيتغير اتجاهه مرة ثانية إلى الشمال الشرقي متبعاً المنخفضات والسهول وبصفة عامة يتبع جريانه ميلان أرض نجد من الغرب إلى الشرق بصفة عامة.
:. ويميل منسوب الوادي من الغرب إلى الشرق ميلاناً ضعيفاً وبمعدل 1.3م في كل 1كم، إذ يبلغ ارتفاعه عند أعالي الرمة قرب الحرات الغربية في منطقة المدينة حوالي 1380م فوق سطح البحر وعند عقلة الصقور 785م، وعند الرس 655م وعند البدائع 647م بينما عند عنيزة 630م وعند سد الوادي 613م أما عند بريدة 602م وأخيراً مصبه عند قرية البندرية التي ترتفع 575م فوق سطح البحر. هذا الميلان التدريجي والضعيف لمجرى وادي الرمة منح الوادي فرصة ليرسب حمولته من الطمي العظيم فوق قطاع حوض الوادي الشرقي مما ساهم في خصوبة الأرض وقيام الزراعة عليها من عصور قديمة جداُ، أيضاً الانحدار الضعيف للوادي خفف من سرعة جريانه مما أتاح للمياه والسيول أن تتسرب للمياه الجوفية الضحلة في نطاق الدرع العربي (غرب الوادي)، وللمياه الجوفية الضحلة والعميقة في نطاق الرف العربي الرسوبي (شرق الوادي).
:. وعرض وادي الرمة متباين وهو في المتوسط يبلغ 2 كم في محيط عقلة الصقور، ثم يتسع ليبلغ حوالي 3 كم بين الجبلين (أبانات الأحمر وأبانات الأسمر)، ثم 3.5 كم غرب الرس، وما بين الرس والبدائع 5 كم، ثم يدخل مرحلة عنق الزجاجة بعرض 300م فقط عند منطقة الخنقة حيث زحفت رمال الشقيقة على مجرى الوادي و يقل العرض كلما اقتربنا من شمال عنيزة حيث المزارع على ضفاف المجرى ومن ثم يتسع مرة أخرى شمال شرق عنيزة بعرض متوسطي يبلغ 500 م ثم يتسع عرضه أكثر إلى 1.5 كم جنوب شرق بريدة حتى يصل منخفضات وقيعان يحير ويتجمع فيها وهي روضة الزغيبية شرق عنيزة وقاع الباطن شرق بريدة وسبخة غويمض جنوب شرق بريدة.
:. ولوادي الرمة مئات الفروع الثانوية وعشرات الفروع الرئيسية والتي تبقى جافة طول العام وأحياناً لأكثر من عام حتى يأذن الله تعالى بنزول أمطار غزيرة ومتواصلة لتجري لعدة أيام، وروافد الرمة تفوق الثلاثمائة رافد وشعيب ومن أهم روافده الشمالية: وادي الشِّعْبَة يصرف سيول جنوب حائل، ووادي القَهَد الذي يصرف سيول جنوب غرب حائل، وادي المَحَلاَني وينحدر من الشمال إلى الجنوب عند عقلة الصقور، وادي الجُرَيَّر (تصغير الجَرِير) يجري باتجاه الجنوب الشرقي ويلتقي بوادي ثادج فيتغير اسمه إلى وادي ثادج قبل أن يصب بوادي الرمة، وادي أبو نخلة شمال الرس.
أما روافد الرمة الجنوبية فهي: وادي الرَّقَب يبدأ من شرق الحرة، وادي الجفن، وادي الجَرِير والذي يجري من الجنوب إلى الشمال وهو من أهم روافد الرمة الجنوبية ويصب في الجَرِير روافد مهمة مثل وادي ساحوق، وادي طلال، وادي البحرة، ووادي المياه، أيضاً من روافد الرمة الجنوبية، وادي الداث الذي يلتقي بالرمة عند قرية القيصومة، وادي الخشيبي، وادي النساء ويجري من الجنوب إلى الشمال ويلتقي بالرمة عند محافظة البدائع.
:. والرمة نادراً ما يجري بكامل طاقته من غربه إلى شرقه والغالب أن يجري بعضه أو بعض روافده ثم لا تلبث أن تنتهي وتتوقف في منتصف المسافة، والمؤرخون رصدوا جريان وفيضان الرمة عبر التاريخ القديم منها عام 1234هـ وقد جرى الوادي لمدة 40 يوماً، وعام 1253هـ، وعام 1376 جرى الوادي لمدة 22 يوماً، وعام 1402هـ جرى الوادي 17 يوماُ، وعام 1429هـ جرى الوادي لمدة 20 يوماً.
:. والدراسات التاريخية توضح (بالتقريب) أن وادي الرمة يسيل بكامل طاقته حوالي ثلاث مرات كل مائة عام، ومع ذلك أقول لصانعي القرار المحلي والوطني أن هذا المعدل نستأنس به ولا نعتمد عليه إذ أن الكرة الأرضية تواجه تغيراً مناخياً سريعاً وخطيراً في بعض الحالات، وأصبحت عناصر الطقس خلال العقد الأخير أكثر حدة وقوة، إذ أن محطات الرصد الجوي في العالم تسجل أرقاماً قياسية جديدة في شدة الحر والبرد، والجفاف والمطر، وسرعة الرياح وتكرار الأعاصير.
:. لذا فقد يقود تغير المناخ العالمي إلى هطول أمطار غزيرة ومتواصلة ومتكررة في وقت قصير وخلال موسم واحد في أرض العرب، ومن هنا فإن وادي الرمة قد يفاجئ الجميع على حين غرة ويجري خلال الموسم الواحد أكثر من مرة بكامل طاقته أو يزيد، مما يجعل الجريان السطحي للوادي يفيض عن مجراه ويملأ كل قيعانه وفياضه الشرقية خاصة في ظل وجود السد الطبيعي المتمثل بنفود الثويرات والذي قد يجعل المياه ترتد مرة أخرى إلى الغرب حيث حواضر القصيم الكبرى لا قدر الله.
:. ويشار إلى أن السد الطبيعي المتمثل في رمال الثويرات (عرضه 73كم) هو هبة من الله تعالى لقاطني المنطقة ليحجز كميات هائلة من المياه في شرق القصيم ولتتاح فترة أطول ومساحة أكبر للمياه لتتسرب لتكوينات المياه الجوفية لتغذيتها، ولينعم سكانها بهذا المخزون المائي الاستراتيجي حتى وقتنا الحاضر، هذا من جهة ومن جهة أخرى السد الطبيعي يعتبر خطراً جداَ في حالة تكرار جريان الرمة أكثر من مرة في الموسم الواحد بكامل طاقته؛ منها أدعو صانعي القرار والجهات ذات العلاقة بدراسة مناخية هيدرولوجية جيومورفلوجية شاملة عاجلة وعالية الدقة لحوض وادي الرمة لتقييم درجة الخطورة في المستقبل في ظل التغير المناخي العالمي .. والله يحفظ البلاد والعباد من كل سوء ومكروه.
د. عبدالله المسند
عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم